للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالفعل (١)، كما أحب أن أقول له: إنه كان أشد الناس مخالفة لهذه القواعد، وإنه في سبيل الوصول إلى ما يهوى ويشتهي من رأي كان يقع فيما هو معلوم بطلانه ببدائه العقول، وليس أدل على هذا من أنه صدق الرواية القائلة: إن أبا هريرة كان يأكل على مائدة معاوية، ويصلي وراء عَلِيٍّ فأي عقل يصدق هذا؟ ومعاوية كان بالشام وَعَلِيٌّ بالكوفة؟ وغير هذه كثير في كتاب المؤلف.

رَدُّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ قَلِيلَ الرِّوَايَةِ:


وقال في [ص ٣٣٤] نقلاً عن ابن خلدون قال: «إنَّ الأئمة المجتهدين تفاوتوا في الإكثار من هذه الصناعة والإقلال فأبو حنيفة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يقال بلغت روايته إلى ١٧ حَدِيثًا أو نحوها».

وهذا القول وإنْ كان ذكره ابن خلدون حَاكِيًا عن غيره إِلاَّ أنه غير صحيح وما كان ينبغي لابن خلدون أنْ يسكت عنه إذ في السكوت نوع من الاعتراف به والتصديق، وهو الذي تكلم في غير موضع من " مقدمته " على القواعد التي يجب أنْ تُتَّبَعَ في نقد المرويات وتمحيصها وهل يعقل من إمام كبير كأبي حنيفة قال فيه الشافعي: «النَاسُ فِي الفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ» أنْ تبلغ مروياته ١٧ حَدِيثًا فحسب؟ ولقد وقع ابن خلدون في ذكره لهذا القول وسكوته عنه فيما وقع فيه غيره من الذين نَدَّدَ بهم في قبول المغالط في الروايات ولم يأخذ نفسه بما وضع من قواعد، والحق أن الإمام له سبعة عشر مُسْنَدًا، وقد طبعت كلها في الهند، وها هي ذي بين أيدينا، وهو أقوى حُجَّةً على تزييف هذا القول، وهل هذا القائل سمع أنَّ له سبعة عشر مُسْنَدًا (٢) أي كِتَابًا ففهم منه أنَّ المراد حَدِيثًا.