للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القصة وَأَنَّ مثل هذا لا يدخل تحت التقرير، وَأَنَّ تصديق الكاذب فيما لا يخل بأمر الدين ولا يترتب عليه حُكْمٌ شَرْعِيٌّ أمر جائز على الأنبياء.

وللرد على ذلك نقول:

[أ] إن حديث الجساسة رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ورجاله ثقات عُدُولٌ لا مطعن في واحد منهم، وقد رواه غير مسلم: الإمام أحمد وأبو يعلى وأبو داود وابن ماجه، ورواه غير فاطمة بنت قيس من الصحابة أبو هريرة وعائشة وجابر - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - فالحديث لم ينفرد به مسلم، ولا انفردت بروايته فاطمة بنت قيس.

وقد حَدَّثَ به النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر في جمع من الصحابة واعتبره موافقًا لما كان يُحَدِّثُهُمْ به عن المسيح الدجال وغيره من أشراط الساعة الكبرى، فالقول بأنه لا يدخل تحت التقرير غير مسلم، وقد اعتبر الأئمة رواية النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك عنه من مناقبه، قال الحافظ الكبير ابن حجر في " الإصابة " (١) في ترجمة تميم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «مشهور في الصحابة كان نصرانيا وقدم المدينة فأسلم وذكر لِلْنَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصة الجساسة والدجال فحدث النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه بذلك وعد ذلك من مناقبه» ثم نقل عن أبي نعيم أنه قال: كان راهب أهل عصره وعابد فلسطين وكان كثير التهجد بالليل، قام ليلة بآية حتى أصبح وهي قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} (٢) ومن مناقبه ما ذكره في " الإصابة " أيضاً (٣) قال: أخرج البغوي من طريق الجريري عن أبي العلاء معاوية بن حرمل قال: قدمت على عمر فقلت: يا أمير المؤمنين، تائب من قبل أن تقدر عليه، فقال: من أنت؟ فقلتُ معاوية بن حرمل


(١) ١/ ١٨٣.
(٢) [سورة الجاثية، الآية: ٢١].
(٣) ٣/ ٤٩٧.