للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المختلفة، إذ إن ذلك ليس من قبيل التلفيق الممنوع، لأن الأحكام المختارة من المذاهب هي أحكام كلية لأمور متغايرة لا تجمع بينها رابطة، كما بينا. وإذا حدث فيها تلفيق أثناء التطبيق الفعلي فهو غير مقصود، فلا حرج فيه، كالقول بصحة الزواج بغير ولي وبعبارة النساء، والتفريع عليه بجواز استدامة الزوجية بعد مراجعتها إثر صدور طلاق ثلاث بلفظة واحد اكتفاء بإيقاعه طلقة واحدة رجعية. فهو تلفيق غير ممنوع لأنه لم يقصد إليه.

والقول بجواز التلفيق في الجملة أقوى دليلاً من القول بمنعه، فضلاً عما فيه من تحقيق مصالح الأفراد والجماعات، ولا يترتب عليه أي مفسدة من مفاسد التلفيق المحظور. ولو افترضنا أن التلفيق كله غير جائز فإن تخير الحاكم لرأي وجعله قانوناً نافذاً: يقوي الحكم ولو كان قولاً ضعيفاً، كما قرر العلماء، بل ويوجب الطاعة إذا لم يكن أمراً بمعصية متيقنة شرعاً. وقد بدأ التخير من أحكام المذاهب في مجال التقنين فعلاً منذ أكثر من خمسين عاماً في مطلع هذا القرن، وذلك حينما شعرت الحكومة العثمانية بالحاجة إلى التوسع في حرية التعاقد، والشروط العقدية، وقابلية المحل المعقود عليه، بسبب ازدياد حاجة التعامل التجاري والصناعي، وتطور أساليب التجارة الداخلية والخارجية وظهور أنواع جديدة من الحقوق هي الحقوق الأدبية كحق المؤلف والمخترع، والاحتياج إلى عقود التأمين على البضائع المستوردة، واتساع مجال عقود الاستصناع مع المصانع الكبرى، وعقود التوريد لتقديم اللوازم والمواد الأولية إلى المؤسسات الحكومية والشركات والمعامل والمدارس.

فاستبدلت السلطة العثمانية بالمادةو (٦٤ سنة ١٣٣٢ هـ/١٩١٤م) من قانون أصول المحاكمات مادة أخذت مبادئها من غير المذهب الحنفي كالمذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>