للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والموت انتقال من عالم لآخر، وليس فناء، وإنما هو مفارقة الروح للبدن، والروح عند جمهور المتكلمين: جسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر، وهو باق لايفنى عند أهل السنة. وقوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} [الزمر:٣٩/ ٤٢] تقديره عند موت أجسادها.

والمستحب لكل إنسان ذكر الموت والاستعداد له (١)، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «أكثروا من ذكر هاذم اللذات» (٢) يعني الموت، والهاذم: القاطع. زاد البيهقي والنسائي: «فإنه ما ذكر في كثير إلا قلله، ولا قليل إلا كثره» أي كثير من الدنيا، وقليل من العمل. ولحديث ابن مسعود: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لأصحابه: استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: نستحيي يانبي الله، والحمد لله، قال: ليس كذلك، ولكن من استحيا من الله حق الحياء، فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، ومن فعل ذلك، فقد استحيا من الله حق الحياء» (٣).

والاستعداد للموت: بالخروج من المظالم، والتوبة من المعاصي، والإقبال على الطاعات، لقوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً، ولايشرك بعبادة ربه أحداً} [الكهف:١٨/ ١١٠] ولما روى البراء بن عازب أن النبي صلّى الله عليه وسلم أبصر جماعة يحفرون قبراً، فبكى حتى بلَّ الثرى بدموعه، وقال: «إخواني لمثل هذا فأعدوا» (٤) أي تأهبوا واتخذوا له عُدة، وهي ما يعد للحوادث.


(١) المهذب:١٢٦/ ١، مغني المحتاج:٣٢٩/ ١، كشاف القناع:٨٧/ ٢، المغني:٤٤٨/ ٢.
(٢) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر بلفظ «أكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت» ورواه الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة، ورواه آخرون عن أنس، وهو صحيح.
(٣) رواه الترمذي بإسناد حسن.
(٤) رواه ابن ماجه بإسناد حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>