للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن خاف من ظالم فخرج واستتر، لم يبطل اعتكافه؛ لأنه مضطر إلى الخروج بسبب هو معذرو فيه.

وإن خرج من المسجد ناسياً أو مكرهاً محمولاً أو أكره حتى خرج بنفسه، أو أخرجه السلطان ظلماً لم يبطل اعتكافه، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (١) فإن أخرجه السلطان بحق، كأن وجب عليه حق وهو يماطل به مع قدرته عليه، أو أخرجه ليقيم عليه عقوبة شرعية من حد أو قصاص أو تعزير ثبت عليه بإقراره، بطل اعتكافه. وإن ثبت عليه بالبينة لم يبطل ولا ينقطع به التتابع، فإذا عاد بنى.

وإن خرج لعذر، ثم زال العذر، وتمكن من العود، فلم يعد، بطل اعتكافه؛ لأنه ترك الاعتكاف من غير عذر، فأشبه إذا خرج من غير عذر.

ويجور للمعتكف أن يلبس ما يلبسه في غير الاعتكاف؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه غيَّر شيئاً من ملابسه. ويجوز أن يتطيب ويتزين؛ لأنه لو حرم التطيب عليه لحرم ترجيل الشعر كالإحرام، وقد روى الشيخان أن عائشة كانت ترجِّل شعر رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الاعتكاف، فدل على أنه لا يحرم عليه الطيب. ويجوز أن يتزوج ويزوج قياساً على جواز الطيب. ويجوز دراسة العلم وتدريسه، لأن ذلك كله زيادة خير، ويجوز أن يأمر بالأمر الخفيف في ماله وضيعته، ويبيع ويبتاع، لكنه لا يكثر منه؛ لأن المسجد ينزه عن أن يتخذ موضعاً للبيع والشراء، فإن أكثر من ذلك كره لأجل المسجد، ولم يبطل به الاعتكاف. ويجوز أن يأكل في المسجد؛ لأنه عمل قليل لا بد منه، ويجوز أن يضع فيه المائدة؛ لأن ذلك أنظف للمسجد، ويغسل فيه اليد، وإن غسل في الطست فهو أحسن.


(١) حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس بلفظ «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».

<<  <  ج: ص:  >  >>