للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الرأي الثاني: فهو للجمهور الأعظم: أئمة المذاهب الأربعة، والإباضية والزيدية وسفيان الثوري وأبي عبيد.

وأبدأ ببيان الرأي الأول ذاكراً مقولة أنصاره وأدلتهم:

أـ فقال ابن حزم الظاهري: من كان له دين على بعض أهل الصدقات فتصدق عليه بدينه قبله، ونوى بذلك أنه من زكاته، أجزأه ذلك، وكذلك لو تصدق بذلك الدين على من يستحقه، وأحاله به على من هو له عنده، ونوى بذلك الزكاة، فإنه يجزئه.

برهان ذلك: أنه مأمور بالصدقة الواجبة، وبأن يتصدق على أهل الصدقات من زكاته الواجبة بما عليه منها، فإذا كان إبراؤه من الدين يسمى صدقة، فقد أجزأه. ويؤيد ذلك ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: «أصيب رجل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: تصدّقوا عليه .. » (١).

لكن الحديث واضح في بذل الصدقات وأداء المال بالفعل من القادرين الأغنياء لهذا الرجل المديون الذي استغرقت الديون ماله، سواء أكان المتصدق دائناً له أم لا. ولا شك بأن دفع المال صدقة يختلف عن الإبراء من الدين الذي هو إسقاط الدين، فإن الصدقات سبيل للإغناء، وتمكين من وفاء الديون، وعون للمدين على التخلص من أزمة الدين أو الإفلاس، بسداد الديون لأصحابها مما تجمع لديه من الصدقات، والإبراء من الدين إسقاط لا تمليك عند أكثر الفقهاء كما سيأتي، وهو إن اعتبر صدقة تطوع على المدين المعسر، إلا أنه يتعذر اعتباره زكاة؛ لاشتراط كون النية عند أداء الزكاة مقارنة للأداء، كما سيأتي:


(١) المحلى لابن حزم: ١٠٥/ ٦ ومابعدها، ف/٦٩٨، ط دار الآفاق الجديدة بيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>