للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال علي رضي الله عنه: «لا زكاة في المال الضمار» ولأن السبب هو المال النامي، ولا نماء إلا بالقدرة على التصرف، ولا قدرة عليه. الغائب، جعلاه كزكاة قد كان أخرجها، فأنفذها إلى هذا المعسر، وبانت من ماله، فلم يبق عليه إلا أن ينوي بها الزكاة، وأن يبرئ صاحبه منها، فرأياه مجزئاً عنه إذا جاءت النية والإبراء. وهذا مذهب لا أعلم أحداً يعمل به، ولا يذهب إليه أحد من أهل الأثر وأهل الرأي (١).

وإذا كان في هذا القول تيسير على صاحب الدين وعلى المدين جميعاً، فإن محل التيسير وحالته شرط ضروري لكل يسر، فالصلاة تقصر في حال السفر، مثلاً، والصيام لا يطلب من المسافر والمريض، لوجود ظرف السفر والمرض، فإن لم يتوافر للتيسير مجال أو محل أو حالة مقبولة شرعاً كما في هذا الإبراء عن دين المعسر، كان ذلك عبثاً في شرع الله ودينه، كما أن فيه إخلالاً بأحكام الزكاة وشروطها.

جـ ـ وقال الشيعة الإمامية (الجعفرية): إذا كان على إنسان دين، ولا يقدر على قضائه، وهو مستحق للزكاة، جاز له أن يقاصّه من الزكاة، وكذلك إن كان الدين على ميت، جاز له أن يقاصّه منها. سأل رجل جعفر الصادق قائلاً: لي دين على قوم قد طال حبسه عندهم، لا يقدرون على قضائه، وهم مستوجبون للزكاة: هل لي أن أدعه، فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: نعم (٢).

وهذا رأي يحتاج إلى الدليل، وقواعد الشرع تأباه؛ لأنه لا يعدو أن يكون دين المعسر مالاً ساقطاً ضائعاً يتعذر الوفاء به، فيجعل أداة لإجزائه عن الزكاة، وحيلة لإغنائه عنها، وهو في جميع الأحوال مال ميؤوس من الحصول عليه.


(١) الأموال، المرجع السابق ٥٣٣.
(٢) الفقه على المذاهب الخمسة: ص ١٧٥ ومابعدها للأستاذ محمد جواد مغنيِّة، الطبعة الخامسة، دار العلم للملايين ـ بيروت، فقه الإمام جعفر، للأستاذ مغنيِّة: ٨٨/ ٢، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى لشيخ الطائفة محمد بن الحسن علي الطوسي (٣٨٥ - ٤٦٠ هـ) ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت: ص١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>