للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحجوج عنه. وإنما يقول: أمرتك أن تحج عني، بلا ذكر إجارة، وتكون له نفقة مثله بطريق الكفاية؛ لأنه فرغ من نفسه لعمل ينتفع به المستأجر. وإنما جاز الحج عنه؛ لأنه لما بطلت الإجارة، بقي الأمر بالحج. والزائد عن نفقة المثل في الطريق وغيره يرد على الآمر إلا إذا تبرع به الورثة، أو أوصى الميت بأن الفضل للحاج.

ودليلهم على عدم جواز الإجارة على الحج وبقية الطاعات: أن أبي بن كعب كان يعلِّم رجلاً القرآن، فأهدى له قوساً، فسأل النبي صلّى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال له:

«إن سرك أن تتقلد قوساً من نار، فتقلدها» (١)، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص: «واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً» (٢) ولأنها عبادة يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة، فلم يجز أخذ الأجرة عليها كالصلاة والصوم.

وأجاز جمهور الفقهاء (٣) ومتأخرو الحنفية: الإجارة على الحج وبقية الطاعات، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتابُ الله» (٤)، وأخذ أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم الجُعْل على الرُّقية بكتاب الله، وأخبروا بذلك النبي، فصوبهم فيه (٥)، ولأنه يجوز أخذ النفقة على الحج، كما أقر متقدمو الحنفية أنفسهم، فجاز الاستئجار عليه، كبناء المساجد والقناطر.

وفائدة الخلاف بين الرأيين: أنه متى لم يجز أخذ الأجرة على الحج، فلا يكون إلا نائباً محضاً، وما يدفع إليه من المال، يكون نفقة لطريقه، فلو مات أو


(١) رواه ابن ماجه (نيل الأوطار:٢٨٦/ ٥).
(٢) رواه أبو داود وابن ماجه (المرجع السابق).
(٣) القوانين الفقهية: ص ١٢٨، الشرح الصغير: ١٥/ ٢، مغني المحتاج:٤٦٩/ ١ ومابعدها، المغني:٢٣١/ ٣ ومابعدها.
(٤) رواه البخاري عن ابن عباس (المرجع السابق: ص٢٨٩).
(٥) رواه الجماعة إلا النسائي عن أبي سعيد الخدري (المرجع السابق).

<<  <  ج: ص:  >  >>