للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنشأ هذه التفرقة: حديث النبي صلّى الله عليه وسلم فيما يرويه مالك وأحمد وأصحاب الكتب الستة: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن (١) بحجته من بعض، فأقضي له على نحوٍ مما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها» وسبب وجود هذين الوصفين: أن الشريعة وحي الله، لها ثواب وعقاب أخروي، وهي نظام روحي ومدني معاً، لأنها جاءت لخيري الدنيا والآخرة، أو الدين والدنيا.

- وتظهر ثمرة التفرقة مثلاً في الطلاق والأيمان والديون والإبراء والإكراه ونحوها، وبناء عليه، اختلفت وظيفة القاضي عن وظيفة المفتي، فالقاضي يصدر حكمه بناء على الأمر الظاهر فقط، والمفتي يراعي الباطن والظاهر معاً، فإذا اختلفا بني حكمه على الباطن إذا بان له.

- فمن طلق امرأته خطأ غير قاصد الطلاق، يقع منه قضاء ولا يقع ديانة، ومن أبرأ مدينه دون أن يعلمه بذلك، ثم رفع الدعوى على المدين مطالباً بسداد الدين، فالقضاء يقضي له بقبض الدين، والفتوى تمنعه من ذلك لوجود الإبراء.

- وقد أدى وجود هذه النزعة الدينية أو الوازع الديني الداخلي إلى إضفاء صفة الهيبة والاحترام للأنظمة الشرعية، وإلى صيانة الحقوق بجانب النزعة المادية التي تلاحظها فقط القوانين الوضعية؛ لأن الشريعة ترعى الاعتبارين معاً: الاعتبار القضائي والاعتبار الدياني.

- ٤ ً ــ ارتباط الفقه بالأخلاق: يختلف الفقه عن القانون في تأثره بقواعد الأخلاق، فليس للقانون الوضعي إلا غاية نفعية وهي العمل على حفظ النظام واستقرار المجتمع، وإن أهدرت بعض مبادئ الدين والأخلاق.


(١) ألحن بحجته أي أفطن وأحسن بياناً لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>