للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم النذر: هذا البحث يتطلب الكلام في أمور ثلاثة هي: أصل الحكم، وفيه تعرف أدلة مشروعية النذر، وقت ثبوت الحكم، وكيفية ثبوت الحكم.

١ - أصل حكم النذر: اختلف العلماء: هل النذر مكروه أو قربة؟ فقال الحنفية: النذر في الطاعات مباح، سواء أكان مطلقاً أم معلقاً على شرط. وقال جماعة: النذر تقرب. ورأى المالكية أن النذر المطلق مندوب، وهو ماليس بمعلق على شيء ولا مكرر بتكرر الأيام كنذر صوم كل يوم خميس، وهو ما أوجبه على نفسه شكراً لله تعالى على نعمة وقعت، كمن شفى الله مريضه أو رزق ولداً أو زوجة، فنذر. أما المكرر كنذر صوم كل يوم خميس فمكروه، وأما المعلق مثل إن شفى الله مريضي فعلي صدقة، ففي كراهته وإباحته تردد، قال الباجي بالكراهة، وقال ابن رشد بالإباحة، وهذا هو الراجح، لكن النذور المعلقة لاتغير من قضاء الله شيئاً، وإنما هي وسيلة لاستخراج الصدقة من البخيل.

وقال الشافعية والحنابلة: إنه مكروه كراهة تنزيه لا تحريم، فلا يستحب بدليل ماروى ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر، وقال: «إنه لايرد شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل» وفي لفظ: «أنه لايأتي بخير وإنما (١) ... إلخ» ولأن


(١) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وأصحاب السنن إلا الترمذي عن ابن عمر، وصح أيضاً مسنداً فيما يرويه الجماعة إلا أبا داود من طريق أبي هريرة. قال الخطابي: معنى نهيه عليه السلام عن النذر إنما هو تأكيد لأمره وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به، إذ كان بالنهي عنه قد صار معصية، فلا يلزم الوفاء به: أي أن الحديث متأول وليس على ظاهره، وبمثله قال ابن الأثير في النهاية، وأضاف قوله: وإنما وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر لا يجر لهم في العاجل نفعاً، ولا يصرف عنهم ضراً، ولا يرد قضاء، فلا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئاً لم يقدره الله لكم أو تصرفون به عنكم ما جرى به القضاء عليكم، فإذا فعلتم ذلك فاخرجوا عنه بالوفاء فإن الذي نذرتموه لازم لكم. وقيل: الحديث على ظاهره فإنه صريح بكراهة النذر، لأنه إنما يفعله البخيل يستخرج به من ماله ما لا تسخو به نفسه إلا قهراً إذا تحقق غرضه المنذور عليه. (راجع المحلى: ٤/ ٨، جامع الأصول: ١٨١/ ١٢، ٢٤٣، نيل الأوطار: ٢٤٠/ ٨، سبل السلام: ١١٠/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>