للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً ـ تعريف الضرورة وحكمها: هي الخوف على النفس من الهلاك علماً (أي قطعاً) أو ظناً. فلا يشترط أن يصبر حتى يشرف على الموت. وحكمها في المذاهب الأربعة (١):وجوب الأكل من المحرَّم، بمقدار ما يسد رمَقَه (أي بقية حياته)، ويأمن معه الموت، لقوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد، فلا إثم عليه} [البقرة:١٧٣/ ٢] وقوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة:١٩٥/ ٢] وقوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء:٢٩/ ٤]. فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك، فقد عصى، لأن فيه إلقاء إلى التهلكة، وهو منهي عنه في محكم التنزيل، ولأنه قادر على إحياء نفسه بما أحله الله له، فلزمه، كما لو كان معه طعام حلال.

بخلاف من امتنع عن التداوي حتى مات، لا يجب عليه، ولا يعصي بالترك، إذ لا يتيقن أن الدواء يشفيه. هذا وقد قرر الحنابلة أنه يجب على المضطر تقديم السؤال، أي الاستجداء على أكل الميتة.

وقيل عند البعض كأبي يوسف وأبي إسحاق صاحب المهذب وفي وجه عند الحنابلة: لا يجب على المضطر الأكل من الميتة أو لحم الخنزير، بل يباح لأنه له غرضاً في تركه، وهو أن يجتنب ما حرم عليه، وربما لم تطب نفسه بتناول الميتة، ولما روي عن عبد الله بن حذافة السَّهْمي صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أن طاغية الروم حبسه في بيت، وجعل معه خمراً ممزوجاً بماء، ولحم خنزير مشوي ثلاثة أيام، فلم يأكل، ولم يشرب، حتى مال رأسه من الجوع والعطش، وخشوا موته، فأخرجوه، فقال: قد كان الله أحله لي، لأني مضطر، ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام» ولأن إباحة الأكل رخصة، فلا تجب عليه كسائر الرخص (٢)،


(١) المبسوط، المكان السابق، البدائع: ١٧٦/ ٧، تبيين الحقائق: ١٨٥/ ٥، الدر المختار ورد المحتار: ٩٢/ ٥، ٢٣٨، درر الحكام: ٣١٠/ ١، الشرح الكبير: ١١٥/ ٢، مغني المحتاج: ٣٠٦/ ٤، المغني: ٥٩٦/ ٨، الفروق: ١٨٣/ ٤، الجصاص: ١٤٨/ ١، ١٥٠، أحكام القرآن لابن العربي: ٥٦/ ١.
(٢) المغني: ٥٩٦/ ٨، تكملة فتح القدير: ٢٩٨/ ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>