للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والانهيار. ومثاله أيضاً: صيانة الإنسان حياته وعقله وصحته وماله، فيها حقان، لكن حق الله غالب لعموم النفع العائد للمجتمع. ومثاله عند الحنفية (١) حد القذف (وهو ثمانون جلدة لمن يتهم غيره بالزنا) فيه حقان: حق للمقذوف بدفع العار عنه وإثبات شرفه وحصانته، وحق الله: وهو صيانة أعراض الناس وإخلاء العالم من الفساد، والحق الثاني أغلب (٢).

وحكمه: أنه يلحق بالقسم الأول، وهو حق الله تعالى باعتبار أنه هو الغالب.

ومثال الثاني: حق القصاص الثابت لولي المقتول، فيه حقان: حق لله وهو تطهير المجتمع عن جريمة القتل النكراء، وحق للشخص: وهو شفاء غيظه وتطييب نفسه بقتل القاتل، وهذا الحق هو الغالب؛ لأن مبنى القصاص على المماثلة، بقوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [المائدة:٤٥/ ٥] والمماثلة ترجح حق الشخص.

وحكمه أنه يلحق بالقسم الثاني: وهو حق الشخص في جميع أحكامه، فيجوز لولي المقتول العفو عن القاتل، والصلح معه على مال، بل ندب الله تعالى إلى العفو والصلح، فقال: {فمن عفي له من أخيه شيء، فاتباع بالمعروف، وأداء إليه بإحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} [البقرة:١٧٨/ ٢]. وقال عز وجل: {ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل، إنه كان منصوراً} [الإسراء:٣٣/ ١٧].


(١) فتح القدير: ١٩٤/ ٤، البدائع: ٥٦/ ٧، المبسوط: ١١٣/ ٩، رد المحتار والدر المختار: ١٨٩/ ٤.
(٢) وقال الشافعية والحنابلة وفي قول لمالك هو الأظهر عند ابن رشد: حد القذف حق خالص للمقذوف، لأن القذف جناية على عرضه، وعرضه حقه فالعقاب حقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>