للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشافعي (١): «يجوز الزواج بعاقد واحد إذا كان ولياً من الجانبين وذلك في حالة الجد فقط، له أن يزوج حفيديه ببعضهما، ويتولى وحده العقد عن الطرفين، وذلك للضرورة لعدم وجود ولي آخر من درجته، ولقوة ولايته وشفقته دون سائر الأولياء».

والخلاصة: إن العقد بالمعنى الخاص لا يتحقق بإرادة منفردة، بل لا بد لتحققه من توافق أواجتماع إرادتين. وأما انعقاد البيع أو الزواج في الحالات السابقة، وإن اقتصر فيه على شخص واحد، إلا أنه في الحقيقة يمثل صفتين، فقامت عبارة الشخص الواحد التي تدل على إرادتين متوافقتين مقام العبارتين من عاقدين مختلفتين (٢).

وهناك فرق ثان بينهما من ناحية الحكم (أي الأثر المترتب على العقد)، وهو أن العقد يلزم الوفاء به من العاقد ديانة وقضاء باتفاق الفقهاء، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة:١/ ٥] وقوله سبحانه: {وأوفوا بالعهد} [الإسراء:٣٤/ ١٧]. أما الوعد فلا يلزم الوفاء به قضاء، بل الوفاء به مندوب مطلوب ديانة ومن مكارم الأخلاق. فلو وعد شخص غيره ببيع أو قرض أو هبة مثلاً لا يجبر على الوفاء بوعده بقوة القضاء، بل يندب له تنفيذه ديانة؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون، كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف:٢/ ٦١ - ٣] وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» (٣).


(١) نهاية المحتاج: ١٩٢/ ٥ ومابعدها.
(٢) منع القانون المدني المصري والسوري في المادة ١٠٩ من تعاقد الشخص مع نفسه، سواء أكان التعاقد لحساب نفسه أم لحساب غيره إلا إذا رخص الأصيل مقدماً لنائب في التعاقد مع نفسه، أو وجد نص في القانون، أو قضت قواعد التجارة بجواز ذلك (الوسيط للسنهوري: ص ٢٠٢).
(٣) رواه الشيخان (البخاري ومسلم) والترمذي والنسائي عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>