للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكم التصرية عند جمهور غير الحنفية (١): ثبوت الخيار للمدلس عليه بين أمرين: إمساك المبيع دون طلب تعويض عن النقص أو الغبن، أو رده لصاحبه، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا تصروا (٢) الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها، ورد معها صاعاً من تمر» (٣). وهذا هو الرأي الراجح.

وقال الحنفية (٤): ليس للمشتري الحق في فسخ عقد البيع، بل له فقط أن يرجع بالنقصان الذي أصاب ما اشترى. ولم يأخذوا بالحديث السابق لمخالفته القياس: وهو أن ضمان العدوان يكون إما بالمثل أو القيمة، والتمر ليس منهما.

وأما التدليس القولي: فهو الكذب الصادر من أحد العاقدين أو ممن يعمل لحسابه حتى يحمل العاقد الآخر على التعاقد ولو بغبن، كأن يقول البائع أو المؤجر للمشتري أو للمستأجر: هذا الشيء يساوي أكثر، ولا مثيل له في السوق، أو دفع لي فيه سعر كذا فلم أقبل. ونحو ذلك من المغريات الكاذبة.

وحكم هذا النوع: أنه منهي عنه شرعاً؛ لأنه غش وخداع، ولكن لا يؤثر في العقد إلا إذا صحبه غبن فاحش لأحد المتعاقدين، فيجوز حينئذ للمغبون إبطال


(١) القوانين الفقهية: ص ٢٦٤، بداية المجتهد: ١٧٤/ ٢، نهاية المحتاج: ١٣٦/ ٣ وما بعدها، مغني المحتاج: ٦٣/ ٢ ومابعدها، غاية المنتهى: ٣٤/ ٢.
(٢) التصرية: حبس اللبن في الثدي مدة معينة لإيهام المشتري بأن الشاة ونحوها غزيرة اللبن.
(٣) نيل الأوطار: ٢١٤/ ٥، ط العثمانية. والصاع: ٢٧٥١غم. والحكمة من رد الصاع من التمر: هو التعويض عن اللبن الذي أخذه المشتري لإنهاء النزاع بين العاقدين، وقدر بالصاع لعدم معرفة مقدار اللبن الذي يجب ضمانه للبائع بسبب اختلاط الموجود قبل القبض بالطارئ بعد القبض، وقدر بالتمر لأنه غالب قوت البلد في الماضي، فإن لم يكن هو الغالب كان الواجب صاعاً من غالب قوت البلد. والحديث متفق عليه عن أبي هريرة.
(٤) الدر المختار ورد المحتار: ١٠١/ ٤، ط البابي الحلبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>