للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آمناً مطمئناً على أمواله وأعراضه ونظامه، حتى إن المجرم نفسه كان يسعى لإقامة الحد عليه، رغبة في تطهير نفسه، والتكفير عن ذنبه.

هذا مع العلم بأن تطبيق القصاص والحدود يتطلب تشدداً كبيراً في شروط إثبات الجريمة (١)، مما لا نكاد نجد له مثيلاً عند القانونيين، بل إن الحدود ومنها القصاص تسقط بالشبهات عملاً بالحديث النبوي: «ادرؤوا الحدود بالشبهات» وقد توسع الفقهاء في بيان ما هو شبهة مسقطة للحد توسعاً كبيراً، حتى إن مجرد ادعاء الشبهة كادعاء الزوجية في حال الوطء من المتهم يسقط الحد، وكذا هرب المحدود أثناء إقامة الحد يسقط الحد (٢).

إن القسوة على المجرم رحمة عامة للمجتمع في مجموعه، حتى يتخلص من الجريمة وخطرها الوبيل، والتضحية بعدد محدود من المجرمين أهون كثيراً من ترك الجريمة تفتك بآلاف الأبرياء. والشريعة الإسلامية هي شريعة الرحمة الحقة بالناس، والله سبحانه أدرى بما يعالج به خطر بعض المجرمين وهو أرحم بهم.

وقد أدى كل هذا إلى أن يكون تطبيق الحد نادراً جداً في المجتمع الإسلامي، فقطع اليد مثلاً في السعودية لا يزيد عن حالة واحدة أو حالتين طوال العام.

وأما العقوبات غير المقدرة أو التعزيرات: فهي العقوبات المشروعة على كل معصية أو منكر أو إيذاء لا حد فيه، سواء بالقول أو بالفعل أو بالإشارة، وسواء أكانت الجريمة انتهاكاً للحرمات الدينية والاجتماعية كالأكل في نهار رمضان بغير


(١) ففي السرقة مثلاً يشترط ما يزيد على ١٢شرطاً. وفي الزنا: يشترط لإثباته بالشهادة شهادة أربعة رجال أحرار عدول يرون الجريمة رؤية بصرية كاملة لا شبهة فيها. وفي القتل يشترط عدة شرائط لتطبيق القصاص منها أن يكون القتل بسلاح ونحوه.
(٢) الدر المختار: ١٥٨/ ٣ ومابعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>