للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطردة من النصف الثاني للقرن التاسع عشر إلى الوقت الحاضر، فمصر تلتها تونس ومراكش وتركيا ولبنان، وكل هذه بلاد كانت تطبق الشريعة الإسلامية. ثم أعادت النظر في تقنيناتها، فقلبتها رأساً على عقب، إما باختيارها أو تحت تأثير نفوذ سياسي، وهجرت الشريعة الإسلامية إلى القوانين الغربية. أما العراق فهو أول بلد عربي اعتز بتراث أجداده، وحرص عليه من الضياع. فالعراق يرفع صوته عالياً بأن الشريعة الإسلامية لا تزال نظاماً قانونياً حياً صالحاً للتطبيق، وليس لسائر الأقطار العربية إلا أن تقتفي أثر العراق.

وهناك فرق جوهري بين أن نجعل مصدر الأحكام الصالحة التقنينات الغربية، وبين أن نجعل مصدرها الشريعة الإسلامية، ففي الحالة الأولى نكون قد قطعنا كل صلة بالقديم، وبدأنا حياة قانونية جديدة، نكون فيها عالة على فقه الغرب وجهوده، نأخذ منه ولا نعطيه. أما في الحالة الثانية فنكون قد احتفظنا بصلة الماضي، وجعلنا من هذه الصلة أساساً يقوم عليه المستقبل، واحتفظنا باستقلالنا القانوني، فلا نكون عالة على فقه الغرب، وفي الوقت ذاته نكون قد استفدنا من هذا الفقه إلى أبعد مدى، إذ تصبح الأحكام التي اخترناها وخرَّجناها على أحكام الشريعة الإسلامية متفقة مع أحدث الأحكام القانونية الغربية وأرقاها (١).


(١) راجع مقال الدكتور السنهوري في مجلة المحامين بدمشق، العددان السادس والسابع، من السنة الأولى: ص ٥٠٥ - ٥٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>