للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً ـ بيع الدين لغير المدين: قال الحنفية والظاهرية: بما أنه لا يجوز بيع معجوز التسليم، فلا ينعقد بيع الدين من غير من عليه الدين، لأن الدين غير مقدور التسليم إلا للمدين نفسه في حق البائع؛ لأن الدين عبارة عن مال حكمي في الذمة، أو عبارة عن فعل تمليك المال وتسليمه، وكل ذلك غير مقدور التسليم من البائع. ولو شرط التسليم على المدين لا يصح البيع أيضاً؛ لأن البائع شرط التسليم على غيره، فيكون شرطاً فاسداً، فيفسد البيع (١)، لعدم القدرة على تسليم المبيع.

وقال بعض الشافعية (٢): يجوز بيع الدين المستقر (٣) للمدين ولغير المدين قبل القبض، لأن الظاهر القدرة على التسليم من غير منع ولا جحود، ومثال الدين المستقر: قيمة المتلفات، والمال الموجود عند المقترض.

وأما إن كان الدين غير مستقر: فإن كان مسلَماً فيه في عقد السلم، فلا يجوز التصرف فيه قبل قبضه، لعموم النهي عن بيع مالم يقبض، ولأن الملك في المسلم فيه غير مستقر، لأنه ربما تعذر تسليمه لفقدانه، فانفسخ البيع فيه.

وإن كان الدين ثمناً في بيع، ففي قول للشافعي: يجوز التصرف فيه قبل قبضه لخبر ابن عمر في هذا الشأن عن الرسول صلّى الله عليه وسلم: «لابأس مالم تتفرقا، وبينكما شيء» (٤) ولأنه لايخشى انفساخ العقد فيه بالهلاك، فصار ذلك مثل المبيع بعد


(١) البدائع، في المكانين السابقين.
(٢) المهذب: ١ ص ٢٦٢ وما بعدها.
(٣) الدين المستقر: هو الثابت استيفاؤه والذي يكون الملك عليه لازماً مستحقاً لصاحبه دون أن يكون هناك أي احتمال آخر لسقوطه.
(٤) رواه الترمذي وغيره، وصححه الحاكم على شرط مسلم، والقصة معروفة وهي أن ابن عمر قال: «كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير، فآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم، فآخذ الدنانير، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لابأس مالم تتفرقا وبينكما شيء».

<<  <  ج: ص:  >  >>