للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أن الحنفية يقولون فيما لايجوز: إن البيع فاسد (١). وغيرهم يقولون: إنه باطل. وهناك قول ثان عند الحنفية بجواز هذا البيع؛ لأن الناس اعتادوا بيع الثمار على هذه الصفة، وفي نزع الناس عن عادتهم حرج وضيق. وقد رجح ابن عابدين هذ القول وأخذت به مجلة الأحكام الشرعية.

وقال المالكية وابن تيمية وابن القيم والشيعة الامامية وهو الراجح عند متأخري الحنفية: يصح البيع عملاً بحسن الظن بالله تعالى وبمسامحة الإنسان لأخيه بجزء من الثمن المقابل للذي يخرجه الله تعالى من الثمرة، ولجريان العرف وعادة الناس به، ولأن ذلك يشق تمييزه، فجعل مالم يظهر تبعاً لما ظهر، كما أن مالم يبد صلاحه تبع لما بدا (٢). وإني أرجح هذا الرأي لمسايرته متطلبات الحياة الواقعية، واعتياد الناس لهذا البيع وحاجتهم إليه، وإلا أدى منعه إلى منازعات لاتنتهي.


(١) البدائع: ١٧٣/ ٥ ومابعدها، تكملة المجموع: ٣٥٩/ ١١، مغني المحتاج: ٩٢/ ٢، المغني: ٩٠/ ٤، غاية المنتهى: ٦٨/ ٢، البحر الزخار: ٣١٧/ ٣، شرح النيل: ٧٢/ ٤ ومابعدها، حاشية الشلبي على الزيلعي: ١٢/ ٤، المحلى: ٤٧١/ ٨، رد المحتار: ٤٠/ ٤، رسائل ابن عابدين: ١٣٩/ ٢، قال ابن عابدين في حاشية رد المحتار (المكان المذكور): لايخفى تحقق الضرورة لهذا البيع في زماننا، ولاسيما في مثل دمشق الشام كثيرة الأشجار والثمار، وفي نزع الناس عن عادتهم حرج، ويلزم تحريم أكل الثمار في هذه البلدان، إذ لاتباع إلا كذلك، والنبي صلّى الله عليه وسلم إنما رخص في السلم للضرورة مع أنه بيع المعدوم، فحيث تحققت الضرورة هنا أيضاً أمكن الحاقه بالسلم بطريق الدلالة، فلم يكن مصادماً للنص، فلذا جعلوه من الاستحسان، لأن القياس عدم الجواز، وظاهر كلام الفتح الميل إلى الجواز، ولذا أورد له الرواية عن محمد، بل تقدم أن الحلواني رواه عن أصحابنا، وماضاق الأمر إلا اتسع، ولايخفى أن هذا مسوغ للعدول عن ظاهر الرواية.
(٢) بداية المجتهد: ٢ص١٥٦، بلغة السالك: ٢ص٧٩، المنتقى على الموطأ: ٤ص٢١٩، القوانين الفقهية: ص ٢٦١، المختصر النافع: ص ١٥٤، أعلام الموقعين: ٢ص١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>