للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما شركة المفاوضة بالمعنى الذي ذكره الحنفية والزيدية، فلا يجيزها الشافعية والحنابلة وجمهور الفقهاء، لأنه عقد لم يرد الشرع بمثله، ولأن تحقق المساواة بالمعنى المطلوب في هذه الشركة أمر عسير، ولأن فيها غرراً كثيراً وجهالة لما فيها من الوكالة بالمجهول والكفالة به، فلم تصح كبيع الغرر. وبيان وجه الغرر فيه: هو أنه يلزم كل واحد منهما ما لزم الآخر، وقد يلزمه شيء لا يقدر على القيام به، ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه: «إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة، فلا باطل أعرفه في الدنيا» وأما الحديث السابق فهو غير معروف، ولا رواه أصحاب السنن؛ بل إنه ليس فيه ما يدل على أنه أراد هذا العقد، فيحتمل أنه أراد المفاوضة في الحديث، ولهذا روي فيه: «ولا تجادلوا فإن المجادلة من الشيطان» (١).

والواقع أن شركة المفاوضة بالمعنى المذكور عند الحنفية غير متيسرة الوجود، إن لم تكن متعذرة التحقيق (٢).

ثانياً ـ تعريف شركة الوجوه أو الشركة على الذمم: هي أن يشترك وجيهان عند الناس، من غير أن يكون لهما رأس مال، على أن يشتريا في ذممهما بالنسيئة (أي بمؤجل)، ويبيعا بالنقد، بما لهما من وجاهة عند


(١) المراجع السابقة. قال الحنابلة: شركة المفاوضة الصحيحة: هي تفويض كل شريك إلى صاحبه شراءً وبيعاً في الذمة، ومضاربة وتوكيلاً، ومسافرةً بالمال، وارتهاناً وضماناً، ما يرى من الأعمال، أويشتركان في كل ما يثبت لهما وعليهما إن لم يدخلا كسباً نادراً أو غرامة كوجدان لقطة أو ركاز وما يحصل من ميراث أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو أرش أو جناية وعارية ومهر (غاية المنتهى: ١٨٢/ ٢، وانظر المغني: ٢٦/ ٥). وقد تطلق شركة المفاوضة عند الحنابلة على أن يشترك الشريكان في جميع أنواع الشركة، مثل أن يجمعا بين شركة العنان والوجوه والأبدان. فيصح ذلك، لأن كل نوع منها يصح على انفراده، فصح مع غيره. (انظر المغني: ٢٥/ ٥).
(٢) الشركات في الفقه الإسلامي، المرجع السابق: ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>