للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما يظهر الربح بالقسمة، وشرط جواز القسمة قبض رأس المال، فلا تصح قسمة الربح قبل أخذ رأس المال من يد المضارب.

فلو دفع رجل إلى آخر ألف دينار مضاربة بالنصف، فربح ألفاً فاقتسما الربح، ورأس المال في يد المضارب لم يقبضه رب المال، فهلك (١) في يد المضارب بعد قسمة الربح، فلا تصح هذه القسمة، ويكون ما قبض رب المال محسوباً عليه من رأس ماله، وما قبضه المضارب دين عليه يرده إلى رب المال حتى يستوفي رأس ماله، فإن فضل ربح فهو بينهما.

والدليل على أن رب المال يأخذ رأس ماله قبل قسمة الربح: هو ما روي عن الرسول صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «مثل المؤمن مثل التاجر لا يسلم له ربحه حتى يسلم له رأس ماله، كذلك المؤمن لا تسلم له نوافله حتى تسلم له عزائمه» (٢) فدل الحديث على أن قسمة الربح قبل قبض رأس المال لا تصح؛ لأن الربح زيادة، والزيادة على الشيء لا تكون إلا بعد سلامة الأصل.

وإذا اختلف المضارب مع رب المال في رد المال، فقال المضارب: قد كنت دفعت إليك رأس مالك قبل قسمة الربح، وقال رب المال: لم أقبض رأس المال قبل القسمة، فالقول عند الحنفية والحنابلة قول رب المال، ويرد المضارب ما قبضه لنفسه لإتمام رأس المال. فإن بقي شيء بعدئذ مما قبضه المضارب كان بينهما نصفين. وإنما كان الحكم هو قبول قول رب المال؛ لأن المضارب في هذه الحالة مدعٍ، ورب المال منكر، والمضارب وإن كان أميناً لكن القول قول الأمين في إسقاط الضمان عن نفسه، لا في التسليم إلى غيره (٣).


(١) أي رأس المال.
(٢) ذكره الكاساني في البدائع: ١٠٧/ ٦، ولم أجده في كتب الحديث المشهورة.
(٣) البدائع: ١٠٧/ ٦ ومابعدها، المبسوط: ٢٠/ ٢٢، ١٠٥، تبيين الحقائق: ٦٨/ ٥، رد المحتار: ٥١١/ ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>