للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له، أما في هبة الدين: فالإيجاب لايعطي تلك الدلالة؛ لأن الدلالة متوقفة على قصد التملك، وتمليك الدين من غير من عليه الدين لايتحقق إلا بالتصريح بالإذن بالقبض؛ لأنه بالتصريح يقوم قبضه مقام قبض الواهب، فيصير المقبوض ملكاً له أولاً، ثم يصير الموهوب له قابضاً لنفسه من الواهب. وبناء على هذا التقدير: يصير الواهب واهباً ملك نفسه، والموهوب له قابضاً ملك الواهب.

وتجويز هبة الدين لغير من عليه الدين ثابت استحساناً، وصورتها: أن يهب رجل لرجل ديناراً له على رجل، ويأمر بقبضه ويقبضه فعلاً، فيجوز استحساناً؛ لأنه أنابه في القبض مناب نفسه، فيجعل قبض الموهوب له كقبض الواهب. وأما قياساً فلا يجوز، وهو قول زفر؛ لأن الدين ليس بمال عند الحنفية، حتى إن حلف لا مال له، وله دين على إنسان: لا يحنث في يمينه. والهبة عقد

مشروع لتمليك المال، فإذا أضيف إلى ما ليس بمال لا يصلح (١).

ويشترط أيضاً عند الحنفية والشافعية شرطان آخران لصحة القبض وهما أهلية القبض: بالعقل عند الحنفية، وبالعقل والبلوغ عند الشافعية، فلا يصح عندهم قبض الصبي والمجنون؛ لأن القبض من باب الولاية، ولا ولاية لغير البالغ العاقل على نفسه وماله. والشرط الثاني ـ ألا يكون الموهوب مشغولاً بغيره مما ليسبموهوب؛ لأن معنى القبض: التمكن من التصرف في المقبوض، وهو لا يتحقق مع شغل الشيء بغيره. وأضاف الحنفية شرطاً ثالثاً، كماتقدم: وهو أن يكون الموهوب مفرزاً عن غيره حتى يتمكن الموهوب له من قبضه، فلا يصح عندهم هبة المشاع كما تقدم.


(١) المبسوط للسرخسي: ٧٠/ ١٢، البدائع: ١١٩/ ٥، ١٢٤، حاشية ابن عابدين: ٥٤٤/ ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>