للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن استثناء القود محل نظر كما سيأتي. عند القاضي إلى الخصومة (أي للدعوى) كحد الزنا وشرب الخمر فلا يصح فيه التوكيل بإثباته؛ لأنه يثبت عند القاضي بالبينة أو الإقرار من غير حاجة إلى رفع دعوى من صاحب الحق، فتكفي فيه شهادة الحسبة بدون دعوى. فيتلخص من هذا أنه يشترط في الموكل فيه ألا يكون حداً من الحدود التي لا يشترط فيها إقامة الدعوى كحد الزنا وحد شرب الخمر.

وإن كان مما يحتاج فيه إلى الخصومة (أي إقامة دعوى) كحد السرقة وحد القذف فيجوز التوكيل بإثباته عند أبي حنيفة ومحمد، بإقامة البينة على الجريمة الموجبة للحد. ولا يجوز التوكيل بذلك عند أبي يوسف وإنما لا يثبت إلا بالبينة أو الإقرار من الموكل، وهذا الخلاف يجري أيضاً في إثبات القصاص، استدل أبو يوسف على رأيه؛ وهو أن الوكالة لا تجوز في إثبات الحدود والقصاص بالقياس على عدم جواز الوكالة بالاستيفاء، فكما لا يجوز التوكيل باستيفاء الحدود والقصاص لا يجوز التوكيل بإثباتها؛ لأن الإثبات وسيلة إلى الاستيفاء.

ورد أبو حنيفة ومحمد على دليل أبي يوسف بأن هناك فرقاً بين الإثبات والاستيفاء، فإن امتناع التوكيل بالاستيفاء بسبب وجود شبهة كما سنعرف، وتلك الشبهة غير متوفرة في التوكيل بالإثبات (١).

وقال الشافعية: لا يجوز التوكيل في إثبات حدود الله تعالى، لأن الحق فيها لله سبحانه، وهو قد أمرنا بدرء الحدود والتوصل إلى إسقاطها، وبالتوكيل يتوصل إلى إيجاب الحد، فلا يجوز. أما إثبات القصاص وحد القذف فيجوز التوكيل فيهما؛ لأنهما حق آدمي، فجاز التوكيل في إثباته، كالحق في المال (٢). ويجوز التوكيل عندهم في استيفاء الحدود كما سيأتي بيانه.


(١) البدائع: /٢١، تكملة فتح القدير: ٧/ ٦، مختصر الطحاوي: ص ١٠٩.
(٢) المهذب: ٣٤٩/ ١، مغني المحتاج: ٢٢١/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>