للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً ـ الوكالة في حقوق العباد: حقوق العباد تنقسم إلى قسمين:

نوع لا يجوز استيفاؤه مع وجود شبهة كالقصاص في القتل أو الأطراف. ونوع يجوز استيفاؤه مع الشبهة. وحكم النوع الأول كما عرفنا: هو أنه يصح التوكيل في إثباته عند أبي حنيفة ومحمد.

ولا يجوز التوكيل في استيفائه حال غيبة المجني عليه؛ لأنه قد يرتفع بحضور المجني عليه وعفوه عنه، ففيه شبهة العفو، والحدود تدفع بالشبهات كما تقدم.

وأما النوع الثاني: وهو ما يجوز استيفاؤه مع الشبهة فهو كالديون والأعيان وسائر الحقوق غير القصاص، فإنه يجوز للوكيل أن يتسلمها مع وجود شبهة عفو صاحبها، وتركها لمن هي عليه. حكم هذا النوع: أنه يصح التوكيل باستيفائه وإثباته باتفاق العلماء، والدليل على جواز التوكيل بالخصومة هو حاجة الناس؛ إذ ليس كل أحد يهتدي إلى وجوه الخصومات، وقد صح أن علياً وكل عقيلاً عند أبي بكر رضي الله عنهم، وبعد ما أسن وكل عبد الله بن جعفر عند عثمان رضي الله عنهما، وقال: إن للخصومة قُحَماً، وإن الشيطان ليحضرها، وإنى لأكره أن أحضرها (١).

غير أن الحنفية اختلفوا في اشتراط توافر رضا الخصم للزوم التوكيل بإثبات الدين والعين وسائر الحقوق.

فقال أبو حنيفة: لا يلزم التوكيل بالخصومة إذا لم يكن الموكل حاضراً مجلس القضاء مع الوكيل إلا برضا الخصم إلا أن يكون الموكل مريضاً أو مسافراً مسيرة ثلاثة أيام فصاعداً أو لا يحسن الادعاء والتقاضي؛ أو كانت امرأة مستورة في خدرها، أو كانت المرأة حائضاً أو نفساء والقاضي في المسجد؛ لأنها تستحي من


(١) رواه البيهقي، والقُحَم: جمع قُحْمة: وهي الأمر الشاق الذي لا يكاد يحتمل، وقحم الخصومات: ما يحمل الإنسان على ما يكرهه.

<<  <  ج: ص:  >  >>