للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل يبرأ الأصيل من الدين؟ يلاحظ أنه لا يترتب على الكفالة عند جمهور الفقهاء براءة الأصيل (١)، فيكون الدائن بالخيار بين أن يطالب الأصيل أو يطالب الكفيل إلا إذا كانت الكفالة بشرط براءة الأصيل؛ لأنها حوالة معنى (٢).

ولم يجز الشافعية في الأصح عندهم الكفالة بشرط براءة الأصيل؛ لأنه شرط ينافي مقتضى الضمان.

وقال الإمام مالك في أحد قوليه: ليس للدائن أن يطالب الكفيل إلا إذا تعذر مطالبة المكفول عنه؛ لأن الضمان وثيقة، فلا يستوفى الحق منها إلا عند تعذر استيفائه من الأصيل كالرهن.

وقال ابن أبي ليلى وابن شُبْرمة وأبو ثور وابن سيرين والظاهرية والإمامية: إن الكفالة توجب براءة الأصيل، وينتقل الحق إلى ذمة الكفيل، فلا يملك الدائن مطالبة الأصيل أصلاً كما في الحوالة، واحتجوا بقصة ضمان أبي قتادة رضي الله عنه الدينارين عن ميت، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلم قال له: «جزاك الله خيراً وفك رهانك كما فككت رهان أخيك» (٣) فدل هذا على أن المضمون عنه برئ من الضمان.

والصحيح هو قول الجمهور؛ لأن الكفالة معناها ضم ذمة إلى ذمة في حق المطالبة أو في حق أصل الدين على الخلاف السابق، والبراءة تنافي الضم، ولأنَّ الكفالة لو كانت مبرئة، لكانت حوالة، وهما متغايران؛ لأن تغاير الأسامي دليل


(١) البدائع، المرجع السابق، مغني المحتاج: ٢٠٨/ ٢، بداية المجتهد: ٢٩٢/ ٢، المغني: ٥٤٦/ ٤، ٥٤٧، فتح القدير: ٣٩٠/ ٥.
(٢) المبسوط: ٤٦/ ٢٠.
(٣) ذكر سابقاً أن رواية علي ضعيفة كما قال ابن حجر، والأصح منها رواية القصة عن أبي قتادة. تغاير المعاني في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>