للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا أبرأ الكفيل الأصيل مما ضمنه عنه بإذنه أو وهبه منه جاز، فلو أدى الكفيل الدين بعدئذ، لا يرجع على الأصيل.

ولو قال الدائن للكفيل: (برئت إليَّ من المال) يرجع الكفيل على الأصيل باتفاق الحنفية؛ لأن هذا إقرار بالقبض والاستيفاء، باعتبار أن اللفظ يستعمل في الأداء، فيرجع: أي أن هذه البراءة لا تكون إلا بالإيفاء فكان ذلك بمنزلة قوله: (دفعت إليَّ المال أو قبضته منك) وهو إقرار بالقبض.

أما إذا قال: (برئت من المال) فهو إقرار بالقبض عند أبي يوسف كأنه قال: (برئت إليَّ من المال) لأنه أقر ببراءة خاصة بالكفيل وهو يكون بفعل صادر عنه، كما إذا قيل: (قمت وقعدت مثلاً) وهذا الفعل هنا هو الإيفاء.

وعند محمد: لا يرجع الكفيل على المكفول عنه؛ لأن هذا بمنزلة قوله: (أبرأتك من المال) لأنه يحتمل البراءة بالأداء إليه (أي بالقبض والإبراء) فيثبت القدر الأدنى وهو براءة الكفيل، وأما الزائد عليه (وهو الأداء) ففيه شك، فلا يثبت القبض بالشك، وبالتالي لا يحق للكفيل الرجوع حينئذ على المكفول عنه، وهذا هو الرأي الأرجح عند الحنفية.

وأما سبب عدم رجوع الكفيل على المكفول عنه في قول الدائن له: (أبرأتك) فهو أن هذا اللفظ يفيد تخصيص البراءة بالكفيل، ولا يتعدى أثره إلى غيره بإسقاط الدين عن المدين، فلم يكن هذا اللفظ متضمناً إقرار الدائن بإيفاء الدين. والفرق بين هذه الصورة وصورة: (برئت من المال) عند أبي يوسف: هو أن البراءة بالإبراء لا تتحقق بفعل الكفيل بل بفعل الدائن، فلا يكون الفعل حينئذ منسوباً إلى الكفيل (١).


(١) المبسوط: ٩٣/ ٢٠، فتح القدير: ٤١٣/ ٥، رد المحتار على الدر المختار: ٢٨٧/ ٤ ومابعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>