للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك حال المؤمِّن، لا يعرف عند العقد مقدار ما يأخذ أو ما يعطي، وإن كان يستطيع إلى حد كبير معرفة كل ذلك بالنسبة لجميع المؤمن لهم، بالاستعانة بقواعد الإحصاء الدقيق. وبالرغم من ذلك لا تنتفي مع هذه القواعد صفة الاحتمال والغرر والغبن في الظروف العادية؛ لأن انتفاء الغرر بالنسبة للمؤمِّن وحده لا يكفي لانتفاء الغرر عن عقد التأمين، فلا بد من انتفائه بالنسبة للمستأمن أيضاً.

وليس الأمان بالنسبة للمستأمن هو محل العقد، وإنما هو الباعث على عقد التأمين، ولو كان هو محل العقد، لكان عقد التأمين باطلاً؛ لأن المحل يلزم أن يكون ممكناً غير مستحيل، والأمان يستحيل الالتزام به.

وأما الربا: فمن المؤكد أن عوض التأمين ناشئ من مصدر مشبوه، لأن كل شركات التأمين تستثمر أموالها في الربا، وقد تعطي المستأمن (المؤمن له) في التأمين على الحياة جزءاً من الفائدة، والربا حرام قطعاً. ثم إن الربا واضح بين العاقدين: المؤمِّن والمستأمن؛ لأنه لا تعادل ولا مساواة بين أقساط التأمين وعوض التأمين، فما تدفعه الشركة قد يكون أقل أو أكثر، أو مساوياً للأقساط، وهذا نادر، والدفع متأخر في المستقبل، فإن كان التعويض أكثر من الأقساط، كان فيه ربا فضل وربا نسيئة، وإن كان مساوياً ففيه ربا نسيئة، وكلاهما حرام.

وكان ابن عابدين المتوفى سنة ١٢٥٢ هـ أول من اعتبر عقد التأمين البحري غير مشروع، قال بعد بيان ما يسمى سوكرة وتضمين الحربي ما هلك في المركب: «والذي يظهر لي: أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله؛ لأن هذا التزام ما لايلزم» (١).


(١) رد المحتار على الدر المختار ٢٧٣/ ٣، ط البابي الحلبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>