للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سكنى ولا لبساً ولا قراءة في كتاب، إلا بإذن الراهن؛ لأن له حق الحبس دون الانتفاع. فإن انتفع به، فهلك في حال الاستعمال يضمن كل قيمته، لأنه صار غاصباً.

وإذا أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بالمرهون، جاز مطلقاً عند بعض الحنفية. ومنهم من منعه مطلقاً؛ لأنه ربا أو فيه شبهة الربا، والإذن أو الرضا لا يحل الربا ولا يبيح شبهته. ومنهم من فصل فقال: إن شرط الانتفاع على الراهن في العقد، فهو حرام؛ لأنه ربا، وإن لم يشرط في العقد، فجائز؛ لأنه تبرع من الراهن للمرتهن. والاشتراط كما يكون صريحاً، يكون متعارفاً، والمعروف كالمشروط.

وهذا التفصيل هو المتفق مع روح الشريعة، والغالب من أحوال الناس أنهم عند دفع القرض إنما يريدون الانتفاع، ولولاه لما أعطوا الدراهم، وهذا بمنزلة الشرط؛ لأن المعروف كالمشروط، وهو مما يُعيِّن المنع، كما قال ابن عابدين.

وأرى أن الاحتياط في الدين أمر واجب، وكل قرض جر نفعاً مشروطاً أو متعارفاً فهوعند الحنفية ربا، وقد صرح ابن نجيم في الأشباه أنه يكره (أي تحريماً) للمرتهن الانتفاع بالرهن (١). وقال في التتارخانية ما نصه: «ولو استقرض دراهم، وسلم حماره إلى المقرض ليستعمله إلى شهرين، حتى يوفيه دينه، أو داره ليسكنها، فهو بمنزلة الإجارة الفاسدة، إن استعمله، فعليه أجر مثله، ولا يكون رهناًَ». وعليه نرى أن مااعتاده الناس في زماننا من رهن الدور على أن يسكنها المرتهن، ريثما يرد إليه الراهن دينه، وهو قرض، غير جائز باتفاق المذاهب، وليس العقد من قبيل بيع الوفاء، لعدم انصراف مقاصد الناس إلى البيع.


(١) المقرر في القانون المدني السوري والمصري يتفق مع الشريعة، فقد نص فيهما على أنه ليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن دون مقابل.

<<  <  ج: ص:  >  >>