للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الصلح عن القصاص كان بمثابة السكوت عن ذكر عوض، وإذا لم يذكر العوض كان معناه هو العفو، وبعد العفو لا يجب شيء. أما في النكاح فلا يحتمل العفو عن المهر؛ لأنه إذا سكت عنه يجب حكماً لأنه من ضرورات عقد النكاح، فإنه ما شرع إلا بالمال، فإذا لم يكن المسمى صالحاً للمهر، صار كما لو لم يسم العاقد مهراً، وإذا لم يسم مهراً وجب مهر المثل.

وأما الصلح: فليس من ضروراته وجوب المال، فإنه لو عفا بلا تسمية شيء لم يجب شيء (١).

والصلح عن القصاص جائز سواء أكان بدل الصلح قدر الدية أم أقل أم أكثر لقوله تعالى: {فمن عفي له (٢) من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} [البقرة:١٧٨/ ٢] قال ابن عباس: «إنها نزلت في الصلح عن دم العمد» واسم الشيء يتناول القليل والكثير، فدلت الآية على جواز الصلح من القصاص على القليل والكثير.

وهذا بخلاف الصلح عن القتل الخطأ وشبه العمد: فإنه إذا صالح على أكثر من الدية والأرش لا يجوز الصلح؛ لأن الأرش والدية مقدران شرعاً بمقدار معلوم لا زيادة عليه، فالزيادة على المقدر تكون ربا، فلا يجوز، أما بدل الصلح عن القصاص فعوض عن القصاص، والقصاص ليس بمال، حتى يكون البدل عنه زيادة على المال المقدر، وليس فيه تقدير شرعي، فلا يتحقق الربا (٣).

الصلح عن المجهول: لا يشترط عند الحنفية والحنابلة: أن يكون المصالح عنه


(١) العناية بهامش تكملة فتح القدير: ٣٣/ ٧، تبيين الحقائق: ٣٥/ ٥.
(٢) أي أعطي له. ومعنى الآية: أن الله تعالى أمر الولي بالاتباع بالمعروف إذا أعطي له شيء.
(٣) البدائع: ٤٩/ ٦، العناية مع تكملة الفتح: ٣٤/ ٧، تبيين الحقائق: ٣٦/ ٥، الدر المختار: ٤٩٧/ ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>