للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعدم الرضا، وانتفاء الشرط يترتب عليه انتفاء المشروط، وهو النفاذ، فيفسد التصرف. وعليه يكون بيع المستكره وإجارته وهبته فاسدة، ولكن للمستكره بعد زوال الإكراه الخيار بين إمضاء التصرف وفسخه؛ لأن الرضا كما ذكرت شرط لصحة هذه التصرفات.

وقال المالكية وزفر من الحنفية: تعتبر هذه التصرفات بالإكراه موقوفة؛ لأن الرضا شرط في صحة العقد، لا في انعقاده، حتى لو أجاز المستكره ما أكره عليه بعد زوال الإكراه أصبح العقد صحيحاً، ولو كان العقد فاسداً لما جاز؛ لأن الفاسد لا يجوز بالإجازة، ولا يرتفع الفساد بالإجازة كسائر البيوع الفاسدة، فأشبه بيع الفضولي، وبما أنه بيع موقوف، لا يثبت به الملك بالقبض.

والخلاصة: إن أبا حنيفة وصاحبيه ذهبوا إلى أن الإكراه يفسد العقد إفساداً فقط، لا إبطالاً، وتترتب عليه الأحكام المقررة لفساد العقود إلا من ناحية واحدة، وهي أنه بعد زوال الإكراه، لو أجاز المستكره العقد، صح هذا العقد، ويصبح ملزماً؛ لأن الفساد إنما كان صيانة لمصلحته الخاصة لا لمصلحة عامة. وأما زفر فيجعل العقد غير نافذ كعقد الفضولي، فهو صحيح موقوف بالنسبة للمستكره، ويتوقف على إجازته بعد زوال الإكراه، وبما أن هذا العقد يجوز ويلزم بالإجازة، فهذا دليل على كون العقد موقوفاً لا فاسداً؛ لأن العقد الفاسد يفسخ فسخاً ولا يجاز إجازة. ويلاحظ أن دليل زفر أقوى وأوجه، ولكن المعتمد عند الحنفية هو رأي الإمام وصاحبيه (١).

وقال باقي الفقهاء: تعتبر هذه التصرفات مع الإكراه باطلة غير صحيحة (٢).


(١) راجع المدخل الفقهي للأستاذ الزرقاء: ص ٣٦٤.
(٢) البدائع: ١٨٦/ ٧، تكملة فتح القدير: ٢٩٣/ ٧ ومابعدها، الكتاب مع اللباب: ١٠٨/ ٤، تبيين الحقائق: ١٨٢/ ٥، الدر المختار ورد المحتار: ٨٩/ ٥ ومابعدها، المحلى: ٣٨٠/ ٨، غاية المنتهى: ٥/ ٢، بحث الإكراه للأستاذ البرديسي ـ القسم الثاني: ص ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>