للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل القسمة ملزمة للإمام أو له الخيار في أمور أخرى؟ أـ قال الشافعية والظاهرية: يجب قسمة الأراضي بين الغانمين، كسائر الأموال، عملاً بمقتضى القرآن والسنة، إذ لا فرق بين العقار والمنقول، وعموم آية الغنائم: {واعلموا أنما غنمتم ... } [الأنفال:٤١/ ٨] بوجوب القسمة يتفق مع فعله صلّى الله عليه وسلم الذي يجري مجرى البيان للمجمل، فضلاً عن العام (١).

وأما آية الحشر: {وما أفاء الله على رسوله منهم .. } [الحشر:٦/ ٥٩] فهي في الفيء (أي الأموال الآيلة للمسلمين بدون قتال) على ما هو الظاهر منها.

وإذا لم يقسم الإمام الأرض، فعليه أن يستطيب الغانمين، كما استطاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنفس الغانمين يوم حنين ممن صار في يديه سبي هوازن، وكما فعل في خيبر وبني قريظة (٢)، وكما استطاب عمر بن الخطاب الغانمين بعد فتح سواد العراق بعوض أو بغيره، فصارت الأرض وقفاً أي فيئاً للمصالح العامة بعد أن كانت غنيمة، فقد أعطى عمر جريراً البَجَلي عوضاً من سهمه، وأعطى امرأة بجلية عوضاً من سهم أبيها؛ لأن حق الغانمين قد ثبت في الغنيمة بعد الفتح بالاستيلاء، فلا يملك الإمام إبطال هذا الحق بترك الأرض في أيدي أهلها كالمنقول، ومن لم يطب نفساً منهم فهو أحق بحقه (٣).

ب ـ وقال المالكية في المشهور عندهم والإمامية (٤): تصبح الأرض وقفاً بمجرد الاستيلاء عليها، أي كأثر طبيعي لازم دون حاجة لصيغة الإمام، ولا لتطيب


(١) بداية المجتهد: ٣٨٨/ ١، مجمع الزوائد: ٣٤٠/ ٥.
(٢) رواه البخاري والبيهقي وغيرهما (سنن البيهقي: ٦٤/ ٩، ١٣٦، البداية والنهاية: ٣٥٢/ ٤).
(٣) مغني المحتاج: ٢٣٤/ ٤، شرح المجموع: ٢٧٤/ ١.
(٤) الحطاب: ٣٦٦/ ٣، منح الجليل: ٧٣٥/ ١، بداية المجتهد: ٣٨٧/ ١، القوانين الفقهية: ص ١٤٨، مفتاح الكرامة: ٦/ ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>