للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتفق الفقهاء ماعدا الحنابلة على أن الشفعة تثبت للذمي على الذمي، لعموم الأخبار الواردة في الشفعة، ولأنهما تساويا في الدين والحرمة، فتثبت لأحدهما على الآخر كالمسلم على المسلم. وتثبت الشفعة لأهل البدع الذين حكم بإسلامهم؛ لأن عموم الأدلة يقتضي ثبوتها لكل شريك. وأما أصحاب البدع الذين حكم بكفرهم فلا شفعة لهم على مسلم عند الحنابلة، بخلاف الجمهور (١).

وأدلة الجمهور: حديث جابر السابق: «قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يُقْسم، فإذا وقعت الحدود، وصرِّفت الطرق، فلا شفعة» وحديث سعيد بن المسيب: «إذا قسمت الأرض، وحُدَّت، فلا شفعة فيها» (٢)، فإذا كانت الشفعة غير واجبة للشريك المقاسم، فهي أحرى ألا تكون واجبة للجار، والشريك المقاسم إذا قاسم: جارٌ.

ولأن الشفعة تثبت على خلاف الأصل، فيقتصر فيها على مورد النص.

وأما حديث أبي رافع: «الجار أحق بصقبه» فليس بصريح في الشفعة، فيحتمل أنه أراد بالصقب: إحسان جاره وصلته وعيادته ونحوها. وخبر جابر صريح صحيح، فيقدم. وبقية الأحاديث في أسانيدها مقال، فحديث سمرة يرويه عنه الحسن، ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة. ويتعين حمل أحاديث شفعة الجوار على مثل ما دلت عليه أحاديث شفعة الشركة، فيكون لفظ الجار مراداً به الشريك. وهذا الرأي في تقديري أولى؛ لأن الشفعة تثير مشكلات متعددة، والأصل المقرر في الشريعة هو حرية التعاقد، فيقتصر فيها على حالة الشركة فقط.

وقد توسط ابن القيم بين الرأيين، فقرر ثبوت الشفعة للجار إذا كان شريكاً مع


(١) المغني: ٣٥٨/ ٥ وما بعدها، كشاف القناع: ١٨٣/ ٤.
(٢) رواه أبو داود، ومالك مرسلاً، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>