للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي صلّى الله عليه وسلم في حديث آخر، وهذا دليلهم على منع كراء الأرض بالطعام. أما حجتهم على منع كراء الأرض

مما تنبت فهو ماورد من نهيه صلّى الله عليه وسلم عن المخابرة (١): وهي كراء الأرض مما يخرج منها.

٣ - مذهب أبي يوسف ومحمد من الحنفية، والحنابلة، والثوري والليث وابن أبي ليلى والأوزاعي وجماعة: يجوز كراء الأرض بكل شيء، ولو بجزء مما يخرج منها. وهذا ما عليه المسلمون في كل مكان، لأن ذلك كراء منفعة معلومة (وهي العمل في الأرض) بشيء معلوم (وهو الأجرة)، فجاز قياساً على إجارة سائر المنافع مثل سكنى الدور واستعمال الحوانيت ونحوها. ويؤكد ذلك من ناحية الأثر حديث ابن عمر الثابت: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر مايخرج منها من ثمر أو زرع» (٢)، أي دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم على نصف ماتخرجه الأرض والثمرة. ورويت أحاديث أخرى بمعناه عن ابن عباس وأبي هريرة، وكان كل المهاجرين في المدينة يزرعون على ثلث أو ربع إنتاج الأرض، وقد زارع علي كرم الله وجهه وسعد بن مالك وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل علي وآل عمر، ومعاذ بن جبل في عهد النبي والخلفاء الراشدين.

ورد هؤلاء على أحاديث غيرهم بأن أحاديث رافع ضعيفة لأنها مضطربة المتون أي متغايرة الألفاظ. وإن فرض كونها صحيحة فهي محمولة على الكراهية لا الحظر أو الحرمة، بدليل ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال: «إن النبي صلّى الله عليه وسلم لم ينه عنها» ولكن قال: «إن يمنح أحدكم أخاه يكن خيراً له من أن يأخذ


(١) أخرجه أبو داود عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.
(٢) أخرجه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) عن ابن عمر رضي الله عنه (نيل الأوطار: ٢٧٢/ ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>