للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للإصلاح الداخلي النابع من القناعة الذاتية، والرضا بالإقلاع عن الجريمة، والندم والتوبة المكفِّرة للذنوب، حتى إن التوبة في رأي فقهاء الحنابلة، وعلى رأسهم الإمام أحمد رحمه الله تسقط جميع العقوبات من الحدود وغيرها، من غير اشتراط مضي زمان؛ لقوله صلّى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (١) وقوله عليه الصلاة والسلام: «التوبة تجبُّ ما قبلها» (٢) ولأن في إسقاط الحد ترغيباً في التوبة، وذلك ما عدا حد القذف، فإنه لا يسقط، لأنه حق آدمي، أو حق شخصي. ولا خلاف بين العلماء في أن المحاربين أو قطاع الطرق إن تابوا قبل القدرة عليهم، وإلقاء سلطة القبض عليهم، تسقط عنهم حدود الله تعالى من قتل، وقطع يد ورجل من خلاف، ونفي وصلب؛ لقوله تعالى في آية المحاربين: {إلا الذين تابوا من قبل أن تَقْدِروا عليهم فاعلموا أن الله غفورٌ رحيمٌ} [المائدة:٣٤/ ٥].

ولقد اشتد غضب النبي صلّى الله عليه وسلم على ماعز بن مالك الأسلمي الذي أقر أمامه بالزنا، وأعرض عنه ثلاث مرات، وأظهر الكراهية من قوله، بل لقنه الرجوع عن الإقرار بالزنا بقوله: «لعلك مسستها، لعلك قبَّلتها!» وقال لأصحابه حينما هرب ماعز أثناء رجمه، فاتبعوه: «هلا تركتموه، لعله أن يتوب، فيتوب الله عليه» (٣).

الشبهة: إن الشبهة بأنواعها العديدة في الجريمة، سواء أكانت شبهة في الفعل، أم شبهة في الفاعل، أم شبهة في المحل، تدرأ الحدود وتسقطها (٤)؛ لقوله


(١) أخرجه ابن ماجه، والطبراني في الكبير والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(٢) المعروف أن التوبة تصح بالإسلام، والإسلام يجب ماكان قبله كما في الحديث الذي رواه ابن سعد عن الزبير وعن جبير بن مطعم، وضعفه السيوطي، أما حديث «التوبة تجب ماقبلها» فهو مذكور في مغني المحتاج للخطيب: ١٨٤/ ٤، والمغني لابن قدامة: ٢٠١/ ٩، وتؤيده أحاديث في معناه في مجمع الزوائد: ٣١/ ١، ١٩٩/ ١٠ ومابعدها، منها حديث «الندم توبة» رواه الطبراني في الصغير عن أبي هريرة، ورجاله وثقوا، وفيهم خلاف.
(٣) رواه أبو داود عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه، ورواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة.
(٤) فتح القدير: ١٤٠/ ٤، ١٤٧، البدائع: ٣٦/ ٧، حاشية ابن عابدين: ١٦٥/ ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>