للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السنة النبوية، أو من إجماع الأمة، أو من اجتهاد المجتهدين في ضوء النصوص، وروح التشريع الإسلامي. والنص الحاظر شرعاً أو المانع من فعل قد يكون صريحاً، كما هو الشأن في الحدود (العقوبات المقدرة نوعاً ومقداراً) وقد يفهم دلالة وضمناً من طريق اجتهاد علماء الإسلام الثقات. ودور العلماء في الحقيقة مجرد كاشف ومظهر لحكم الله في الحادثة، ومبيّن للقيود والشروط والأوصاف. أما أصل الحكم حظراً وعقاباً، فمرده إلى الحكم الإلهي، إذ لا بد لصحة الاجتهاد من مستند شرعي يعتمد عليه في الاستنباط.

ثم إن المحذور الذي يخشى منه القانونيون من مخالفة قاعدة: «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص» وهو أن يلجأ القاضي فيما لا نص بتجريمه إلى الأخذ بالقياس، هذا المحذور قد فرغ من بحثه علماء الأصول من الحنفية ومن وافقهم الذين قرروا بصراحة عدم جواز القياس في الحدود والمقدرات الشرعية، سواء بالنسبة للمجتهد الفقيه أم للقاضي، وقرروا عدم جواز القياس في الحدود والكفارات والرخص والتقديرات؛ لأن القياس إنما يفيد الظن، والظن سبيل الخطأ، فكان في سلوكه شبهة، فلا يثبت من طريقه عقاب أو تجريم لحادثة لا نص فيها؛ لأن «الحدود تدرأ بالشبهات» وفي هذا التقعيد الأصولي ضمانة كافية أكيدة لحقوق وحريات الأفراد في تصرفاتهم وأفعالهم.

والقائلون بالقياس في الحدود كالمالكية والشافعية لا ينشئون حكماً جديداً بناء على تحريم حادثة، وإنما يطبقون النص المذكور في حادثة على حادثة مشابهة تماماً، مساوية للواقعة المنصوص عليها، فيكون عملهم من قبيل تطبيق النص على الوقائع، إذ ليست الوقائع كلها منصوصاً عليها حتى في القوانين النافذة الآن،

<<  <  ج: ص:  >  >>