للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والملح والخزف والزجاج لسرعة كسره، فقد اختلف العلماء في حكم سرقته كما في الشرط السابق.

قال الحنفية: لا قطع فيما كان أصله مباحاً في دار الإسلام، كهذه الأشياء، واستثنوا منها خشب الساج والأبنوس والصندل والقنا (هو عنقود النخل) والخشب المصنوع. ودليله: أن الناس لا يتمولون تلك الأشياء، وإنما توجد بكثرة، وهي مباحة، فيقل خطرها عندهم، فكانت تافهة كالتراب، إلا ما كان غالي القيمة؛ لأنه يتمول عادة فلا يكون تافهاً، وهو ما استثنوه. ولأنها أيضاً من الأمور التي يشترك فيها الناس جميعاً، فبالنظر للشبهة التي فيها لكل مالك، لا يقطع سارقها، مراعاة لأصلها (١).

ويلاحظ أن اعتماد أبي حنيفة في هذا الشرط على معنى التفاهة وعدم المالية، لا على إباحة الجنس؛ لأن ذلك موجود في الذهب والفضة.

وعليه إذا أصبحت هذه الأشياء من جملة الأموال المعتبرة وجب الحد بسرقتها.

وقال المالكية والشافعية والحنابلة (٢): يقطع سارق الأموال، سواء أكانت مما أصله مباح، كالصيد والماء والحطب والحشيش والمعادن، أم غير مباح لعموم الآية الموجبة للقطع، وعموم الآثار الواردة في اشتراط النصاب، ولأنها مال محرز (٣)، وهذا هوالأرجح لدي، لتمول الناس هذه الأشياء، وإحرازهم لها.


(١) المبسوط: ١٥٣/ ٩، فتح القدير: ٢٢٦/ ٤، تبيين الحقائق: ٢١٩/ ٣، البدائع: ٦٨/ ٧، حاشية ابن عابدين: ٢١٧/ ٣.
(٢) حاشية الدسوقي: ٣٣٤/ ٤، الميزان: ١٦٧/ ٢، بداية المجتهد: ٤٤١/ ٢، المهذب: ٢٧٨/ ٢، المغني: ٢٤٦/ ٨، المنتقى على الموطأ: ١٥٦/ ٧، القوانين الفقهية: ص ٣٥٩، غاية المنتهى: ٣٣٧/ ٣.
(٣) قال الزنجاني الشافعي في تخريج الفروع على الأصول: ص ١٨٦: استصحاب حكم العموم إذا لم يقم دليل الخصوص متعين عند القائلين بالعموم، وعليه بنى الشافعي رضي الله عنه معظم مسائل السرقة. ويتفرع عليه أن حد القطع يتعلق بسرق ما أصله على الإباحة عند الشافعي رضي الله عنه، تمسكاً بعموم قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة:٣٨/ ٥] وعموم الآية يقتضي إيجاب القطع في كل ما يسمى آخذه سارقاً، فكل من يطلق عليه اسم السارق مقطوع بحكم العموم إلا ما استثناه الدليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>