للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاءت آية أخرى تستثني الشرك بالله مما يغفره الله تعالى ويراد بالشرك مطلق الكفر الشامل لكفر اليهود وغيرهم. وذلك لأنه تتولد منه سائر الرذائل التي تهدم الأفراد والجماعات، قال عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء:٤٨/ ٤]. أي إن مغفرة المعاصي لا لكل الناس، ولكن لمن يشاء الله من عباده الموفقين للإيمان والتوبة والعمل الصالح (١). {إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود:١١٤/ ١١]. {قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً} [الزمر:٥٣/ ٣٩].

أي إن رأي جماعة من العلماء تقييد المغفرة في هذه الآيات بشرط التوبة، حتى لا يفهم من القرآن الإغراء بالمعصية والتجرئة عليها. والحقيقة أن الآية فوق ذلك، فهي تقارن بين الشرك وغيره، فالشرك معاقب عليه حتماً لإفساده النفوس البشرية، وأما ما عداه فمغفرته ممكنة بحسب المشيئة الإلهية، لأنه لا يصل إلى درجة الشرك في إفساد النفس (٢).

والكلمة الأخيرة في قضية تكفير السيئات وعدم المؤاخذة عليها في الآخرة هي أنها تتعلق بمقاصد النفس وقوة الإيمان وسلطانه في القلب. وهذا رأي الغزالي (٣) وتبعه الأستاذ الإمام محمد عبده (٤)، فمن صح إيمانه واتجه قصده وإرادته إلى كف النفس عن المعاصي استحق المغفرة والرضوان.

وأما الإضرار بحقوق الناس المالية والأدبية فهو يعتبر كالشرك بالله لا يقبل


(١) تفسير ابن كثير: ٥٠٨/ ١ - ٥١١، تفسير الكشاف: ٤٢٤/ ١.
(٢) تفسير المنار: ١٥٠/ ٥، تفسير الألوسي: ٥٢/ ٥.
(٣) الإحياء: ١٤/ ٤ - ٢٠.
(٤) تفسير المنار: ٥١/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>