للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرأي الأول: قال الحنفية (١) والمالكية والشافعية والظاهرية والزيدية والإباضية في أرجح الآراء لديهم (٢): إن التوبة لا تسقط سائر الحدود المختصة بالله تعالى كالزنا والسرقة وشرب الخمر، سواء بعد رفع الأمر الى الحاكم أو قبله واستدلوا بالأدلة الآية:

١ - عموم الآيات القرآنية التي تقرر عقوبة هؤلاء العصاة مثل قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور:٢/ ٢٤] {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة:٣٨/ ٥] فكل نص منهما عام في التائبين وغيرهم، ولا يستثنى إلا حد الحرابة كما أبنت، وحد تارك الصلاة لو تاب سقط القتل قطعاً، ولو بعد رفعه إلى الحاكم؛ لأن عقابه على الإصرار على الترك لا على مجرد الترك في الماضي. وكذلك إذا زنى الكافر ثم أسلم يسقط عنه الحد.

٢ - أقام النبي صلّى الله عليه وسلم الحد على من جاءه تائباً، إذ رجم ماعزاً والغامدية وقطع الذي أقر بالسرقة، وقد جاؤوا تائبين يطلبون التطهير بإقامة الحد، بدليل أن الرسول صلّى الله عليه وسلم سمى فعلهم توبة، فقال في حق المرأة: «لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم (٣). وجاء عمرو بن سمرة إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني سرقت جملاً لبني فلان، فطهرني فأقام الرسول الحد عليه.


(١) استثنى الكاساني في البدائع حد السرقة العادية فقال: أنه يسقط إذا تاب السارق قبل أن يظفر به، ورد المال إلى صاحبه، بخلاف سائر الحدود لأن الخصومة (أي الادعاء بالحق) شرط في السرقة الصغرى والكبرى (أي الحرابة) والخصومة تنتهي بالتوبة.
(٢) البدائع: ٩٦/ ٧، فتح القدير: ٢٧٢/ ٤، الدر المختار: ١٥٤/ ٣، الفروق للقرافي: ١٨١/ ٤، تفسير القرطبي: ١٧٤/ ٦ وما بعدها، مغني المحتاج: ١٨٤/ ٤، المهذب: ٢٨٥/ ٢، حاشية قليوبي وعميرة: ٢٠١/ ٤، القوانين الفقهية: ص ٣٦٢، شرح النيل: ٦٥٠/ ٧، المحلى: ١٥٦/ ١١ - ١٥٩، البحر الزخار: ١٥٨/ ٥.
(٣) رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه من حديث عمران بن الحصين.

<<  <  ج: ص:  >  >>