للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم: الله تعالى جعل الحدود عقوبة لأرباب الجرائم، ورفع العقوبة عن التائب شرعاً وقدراً، فليس في شرع الله ولا قدره عقوبة تائب البتة (١).

والكلمة الأخيرة: إن ظواهر القرآن والسنة والعمل بمبدأ الستر في الإسلام تؤيد الرأي الثاني الذي يسقط الحدود بالتوبة إذا كانت خالصة لله تعالى، أي لمصلحة الجماعة، ولم تكن متعلقة بالحقوق الشخصية للناس. وليس في هذا الرأي إخلال بمصالح المجتمع؛ لأن التائب بتوبته يحقق المصلحة المنشودة، لا سيما إذا لا حظنا اشتراط كون التوبة صادقة نصوحاً.

قال الحنابلة: إذا قلنا بسقوط الحد بالتوبة، فهل يسقط بمجرد التوبة أو بهما مع إصلاح العمل؟ فيه وجهان:

أحدهما: يسقط بمجردها، وهو ظاهر قول أصحابنا، لأنها توبة مسقطة للحد فأشبهت توبة المحارب قبل القدرة عليه.

والثاني: يعتبر إصلاح العمل، لقول الله تعالى: {فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما} [النساء:١٦/ ٤] وقال: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه} [المائدة:٣٩/ ٥]. فعلى هذا القول: يعتبر مضي مدة يعلم بها صدق توبته وصلاح نيته، وليست مقدرة بمدة معلومة (٢).

ثانياً- هل التوبة مسقطة للقصاص والدية؟ إذا ثبت القتل وجب على القاتل: إما القصاص، وإما الدية، ولا يسقط القصاص إلا بعفو أولياء المقتول على أن يأخذوا الدية أو بدون شيء، فلا يسقط


(١) أعلام الموقعين: ٧٨/ ٢، ١٩/ ٣، ٣٩٨/ ٤.
(٢) المغني: ٢٩٦/ ٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>