للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصاص أو الدية إذن بالتوبة لتعلق الحق الشخصي به لأولياء الدم. وبناء عليه لا تصح توبة القاتل حتى يسلم نفسه للقود (القصاص)، أو يؤدي الدية حين العفو أو حالة القتل الخطأ. وتوبة القاتل لا تكون بالاستغفار والندامة فقط، بل يتوقف على إرضاء أولياء المقتول، فإن كان القتل عمداً لا بد من أن يمكنهم من القصاص منه، فإن شاؤوا قتلوه، وإن شاؤوا عفوا عنه مجاناً، فإن عفوا عنه كفته التوبة. وبالعفو عنه يبرأ من العقوبة الدنيوية.

وهل يبرأ فيما بينه وبين الله تعالى؟.

استظهر ابن عابدين أن الظلم المتقدم لا يسقط بالتوبة لتعلق حق المقتول به، فيخاصم القاتل يوم القيامة. وأما ظلم القاتل لنفسه بإقدامه على المعصية فيسقط بالتوبة (١).

وقال الإمام النووي وأكثر العلماء: إن ظواهر الشرع تقتضي سقوط المطالبة في الآخرة بالعقوبة عن القاتل إذا تاب، فقد دلت أحاديث نبوية على أنه لا يطالب، من أشهرها الحديث المروي في الصحيحين الذي ذكر فيه توبة القاتل مئة نفس في الأمم السابقة، وقبول الله توبته (٢).

ثالثاً ـ إسقاط التعازير بالتوبة: يظهر مما ذكره الفقهاء في إسقاط الحدود بالتوبة ضرورة التفرقة في التعزيرات بين حقوق الله وحقوق الأفراد (٣)، لأن ضابط التعزير هو: كل من ارتكب منكراً


(١) رد المحتار: ٣٨٩/ ٥.
(٢) رواه أبو سعيد الخدري (رياض الصالحين: ص ١٤، كتاب التوابين لابن قدامة: ص ٨٥، ط دمشق) وانظر فتاوى ابن تيمية: ١٨٤/ ٤ وما بعدها، ط ١٣٢٩.
(٣) وانظر رسالة التعزير للدكتور عبد العزيز عامر: ص ٤١، ٤٣٦ - ٤٤١، رد المحتار: ١٩٠/ ٣، ١٩٨، ٢٠٤ وما بعدها، ٢٠٩، نهاية المحتاج: ١٧٥/ ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>