للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دس شخص لآخر السم في طعام أو شراب، فأكله أو شربه ولم يعلم به، ومات منه، فلا قصاص عليه، ولا دية، لكن يلزمه الاستغفار والحبس والتعزير، لارتكابه معصية بتسببه لقتل النفس، وتغريره بالمجني عليه.

أما في حالة الإكراه على تناول السم، كأن أوجر (صب في الحلق) شخص السم في حلق آخر على كره منه، أو ناوله إياه وأكرهه على شربه حتى شرب، فالفعل قتل شبه عمد؛ لأنه حصل بما لا يجرح، فلا قصاص فيه عند أبي حنيفة، وإنما تجب الدية على عاقلته (أهل ديوانه أو حرفته أو

نقابته) (١).

والتسميم أو تقديم مسموم عند المالكية (٢) موجب للقصاص، إن مات متناوله، وكان مقدمه عالماً بأنه مسموم، وإلا فلا شيء عليه لأنه معذور، كما لا شيء على مقدِّمه إن علم المتناول بسميته؛ لأنه يكون حينئذ قاتلاً لنفسه.

وكذلك يعتبر التسميم عند الحنابلة (٣) قتلاً عمداً موجباً للقصاص إذا كان مثله يقتل غالباً، لأن التسميم يتخذ كثيراً طريقاً إلى القتل، فيوجب القصاص، وبدليل أن يهودية أتت النبي صلّى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها النبي صلّى الله عليه وسلم وبشر بن البراء بن معرور، فلما مات بشر، أرسل إليها النبي صلّى الله عليه وسلم، فاعترفت، فأمر بقتلها (٤).

وعند الشافعية (٥): يعد تسميم الصبي غير المميز (دون السابعة) والمجنون قتلاً عمداً موجباً للقصاص، وكذلك يجب القصاص إن سقى السم بالغاً عاقلاً مكرَهاً، فمات، لأنه سبب يقتل غالباً.


(١) وأما على رأي الصاحبين، فمن الفقهاء من قال: إنه قتل شبه عمد عندهما أيضاً، ومنهم من قال: عندهما تفصيل: إن كان ما أوجر من السم مقداراً يقتل مثله غالباً فهو عمد، وإلا فخطأ العمد.
(٢) الشرح الكبير مع الدسوقي: ٢٤٤/ ٤.
(٣) المغني: ٦٤٣/ ٧، كشاف القناع: ٥٩١/ ٥ وما بعدها.
(٤) رواه أبو داود عن أبي هريرة. وانظر سيرة ابن هشام: ٣٣٨/ ٢.
(٥) مغني المحتاج: ٦/ ٤، المهذب: ١٧٦/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>