للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٨ - القتل بالترك أو الحبس ومنع الطعام والشراب]

إذا حبس شخص إنساناً في مكان، ومنع عنه الطعام أو الشراب، أو الدفء في الشتاء ولياليه الباردة، حتى مات جوعاً أو عطشاً أوبرداً في مدة يموت في مثلها غالباً، وتعذر عليه الطلب، ففيه آراء:

قال أبو حنيفة: لا شيء على الحابس؛ لأن الموت حدث بالجوع ونحوه، لا بالحبس.

وقال الصاحبان: تجب عليه الدية؛ لأنه قاتل شبه عمد؛ لأن الطعام والشراب والدفء من لوازم الإنسان، وتتوقف عليها حياته، فمن منعه إياها أهلكه بمنعه. وكونهما لم يعتبرا الفعل قتل عمد، فلأن الحبس في تقديرهما ليس وسيلة معدة للموت، وإن كان في ذاته وسيلة قاتلة غالباً (١).

واعتبر المالكية (٢) القتل في هذه الحالة كالخنق قتلاً عمداً، ما دام قد صدر على وجه العدوان.

واعتبر الشافعية والحنابلة (٣) القتل حينئذ عمداً موجباً القصاص، إذا مضت مدة يموت مثله فيها غالباً جوعاً أو عطشاً؛ لظهور قصد الإهلاك به؛ لأن الله تعالى أجرى العادة بالموت عندئذ، فإذا تعمده الإنسان، فقد تعمد القتل، وهذا الرأي وسط معتدل.

وتختلف المدة باختلاف حال المحبوس قوة وضعفاً، والزمان حراً وبرداً؛ لأن فقد الماء في الحر ليس كفقده في البرد.


(١) الدر المختار ورد المحتار: ٣٨٦/ ٥، التشريع الجنائي لعودة: ٧٣/ ٢.
(٢) الشرح الكبير والدسوقي: ٢٤٢/ ٤.
(٣) نهاية المحتاج: ٧/ ٧ ومابعدها، مغني المحتاج: ٥/ ٤ وما بعدها، المهذب: ١٧٦/ ٢، المغني: ٦٤٣/ ٧، كشاف القناع: ٥٩١/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>