للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي السنة أحاديث متعددة أيضاً منها: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» (١) ومنها حديث ابن عباس مرفوعاً: « ... ومن قتل عمداً فهو قود، ومن حال دونه، فعليه لعنة الله وغضبه، لا يقبل منه صرف ولا عدل» (٢).

وأجمعت الأمة على وجوب القصاص.

والعقل يقضي بتشريع القصاص، إما عدالة بأن يفعل بالقاتل مثل جنايته، وإما مصلحة بتوفير الأمن العام وصون الدماء، وحماية الأنفس، وزجر الجناة، ولا يتحقق ذلك إلا به، فلا يلتفت إلى الدعاوى والمزاعم القائلة بأن فيه تهديماً جديداً للبنية الإنسانية؛ لأن في تشريعه صون حق الحياة للمجتمع: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} [البقرة:١٧٩/ ٢].

هل القصاص يكفر إثم القتل؟ اختلف العلماء في أمره (٣) كما اختلفوا في الحدود، هل هي زواجر أو جوابر؟

قال الجمهور: القصاص من القاتل أو العفو عنه يكفر إثم القتل؛ لأن «الحدود كفارات لأهلها» (٤) وهذا عام لم يخصص قتلاً من غيره. قال النووي: ظواهر الشرع تقتضي سقوط المطالبة بالعقوبة في الآخرة.


(١) أخرجه أحمد والأئمة الستة من حديث عبد الله بن مسعود.
(٢) رواه أبو داود والنسائي. والصرف: التوبة، والعدل: الفدية.
(٣) انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير: ٢٣٩/ ٤ وما بعدها، رد المحتار: ٣٨٩/ ٥.
(٤) يذكره الفقهاء حديثاً، روى مسلم في صحيحه عن عبادة بما في معناه: «من أصاب شيئاً من ذلك ـ أي المعاصي كالزنا والسرقة والقتل ـ فعوقب به فهو كفارة له» ورويت أحاديث أخرى في هذا المعنى، منها ما رواه الترمذي وصححه الحاكم عن علي بن أبي طالب وفيه: «من أصاب ذنباً فعوقب به في الدنيا، فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة» وهو عند الطبراني بإسناد حسن ولفظه «من أصاب ذنباً أقيم عليه حد ذلك الذنب، فهو كفارة له» وللطبراني عن ابن عمر مرفوعاً: «ما عوقب رجل على ذنب إلا جعله الله كفارة لما أصاب من ذلك الذنب» (راجع نيل الأوطار: ٥٠/ ٧، ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>