للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدية إلا من طريق الصلح، أي الاتفاق مع الجاني لدفع الدية برضاه؛ لأن موجب العمد عندهم هو القود عيناً. ولكن وجوب القود لا ينافي أن للولي العفو مجاناً، أوأخذ الدية برضا الجاني.

وقال الشافعية والحنابلة (١): للولي الحق المطلق في العفو، فإن عفا عن القصاص سقط، وإن عفا على الدية، وجبت على الجاني ولو بغير رضاه، لما روى البيهقي عن مجاهد وغيره: «كان في شرع موسى عليه السلام تحتم القصاص جزماً، وفي شرع عيسى عليه السلام الدية فقط، فخفف الله تعالى عن هذه الأمة وخيرها بين الأمرين» لما في الإلزام بأحدهما من المشقة، ولأن الجاني محكوم عليه فلا يعتبر رضاه.

وإذا أطلق الولي العفو أو بعبارة أخرى، إذا صدر العفو من الولي مطلقاً عن القود، ولم يتعرض للدية بنفي ولا إثبات، فالمذهب عند الشافعية: أنه لا دية؛ لأن القتل يوجب القود عيناً على الراجح عندهم، ولم يوجب الدية، والعفو إسقاط شيء ثابت، لا إثبات أمر معدوم. وكذلك قال المالكية: لا دية لعاف مطلق في عفوه إلا أن تظهر بقرائن الأحوال إرادتها، فيحلف على مراده (٢).

وتجب الدية عند الحنابلة في هذه الحالة، لانصراف العفو إلى القود؛ لأنه في مقابلة الانتقام، والانتقام إنما يكون بالقتل، ولقوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف، وأداء إليه بإحسان} [البقرة:١٧٨/ ٢] أي اتباع المال، وذلك يشعر بوجوبه بالعفو (٣).


(١) مغني المحتاج: ٤٨/ ٤، كشاف القناع: ٦٣٣/ ٥ وما بعدها، المهذب: ١٨٨/ ٢، المغني: ٧٤٣/ ٧.
(٢) الشرح الكبير للدردير: ٢٤٠/ ٤.
(٣) وهل بالعفو عن القاتل يبرأ القاتل في الدنيا فقط أو أنه يبرأ أيضاً فيما بينه وبين الله تعالى؟ قال الحنفية: يبرأ القاتل بالعفو عن القصاص والدية، ولكن لا يبرأ عن ظلمه، ولو بالتوبة لتعلق حق المقتول به، وأثر التوبة هو في إسقاط ظلم القاتل نفسه بإقدامه على المعصية. لكن الجمهور قالوا: يبرأ القاتل بالعفو في الدنيا والآخرة (رد المحتار: ٣٨٩/ ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>