للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالرغم من كل هذه المزايا، فإن نظام العاقلة كان مناسباً للبيئة التي كانت فيه الأسرة الواحدة متماسكة البنيان، متناصرة فيما بينها على السراء والضراء. أما وإنه قد تفككت الأسر، وتحللت عرى الروابط بين الأقارب، وزالت العصبية القبلية، ولم يعد الاهتمام بالنسب أمراً ذا بال، فلم يبق بالتالي محل لنظام العواقل، لفقدان معنى التناصر بين أفراد الأسرة.

يرشد إليه أن نظام العاقلة تطور ـ في رأي الحنفية ـ من الأسرة إلى العشيرة، فالقبيلة، ثم إلى الديوان، ثم إلى الحرفة (١) (أو النقابة في عصرنا) ثم إلى بيت المال.

وبما أن نظام العشيرة قد زال، وبيت المال قد تغير نظامه، واختلف النظام الاجتماعي عما كان عليه في زمن العرب، وفقدت عصبية القبيلة بعضهم لبعض، وصار كل امرئ معتمداً على نفسه دون قبيلته كما في النظام الحاضر، فإن دية القتل الخطأ أو شبه العمد، أصبحت في زماننا هذا واجبة في مال الجاني وحده، وقد نص عليه الحنفية (٢). وهذا موافق لرأي أبي بكر الأصم والخوارج الذين يجعلون الدية على القاتل لا على العاقلة، أخذاً بعموم الآيات والأحاديث التي تقرر مبدأ المسؤولية الفردية أو الشخصية عن الأفعال (٣). وهو أيضاً منسجم مع رأي باقي المذاهب الذين قرروا وجوب الدية على الجاني إذا لم توجد له عاقلة ولم يوجد بيت المال.


(١) قال الحنفية: لو كان اليوم قوم تناصرهم بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة (اللباب: ١٧٨/ ٣).
(٢) الدر المختار ورد المحتار: ٤٥٦/ ٥.
(٣) مذكرة تفسير آيات الأحكام بالأزهر: ١٢٣/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>