للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقضى أن دية جنينها غرة ـ عبد أو وليدة (١)، وقضى بدية المرأة (٢) على عاقلتها» (٣).

من تجب عليه الغرة: إذا كانت الجناية عمداً، وجبت مغلظة، أي حالَّةً معجلة في مال الجاني المتعمد، ولا يتصور العمد إلا عند المالكية، وبناء عليه قالوا: دية الجنين تكون حالَّة معجلة لا منجَّمة (أي مقسّطة)، وتكون من النقدين: الذهب أو الفضة، ولا تكون من الإبل، وتكون في مال الجاني في العمد مطلقاً، وكذا في حالة الخطأ إلا أن تبلغ ثلث دية الجاني فأكثر، فتكون حينئذ على العاقلة (٤)، كما لو ضرب مجوسي مسلمة فألقت جنيناً.

وأما في حالة الخطأ أو شبه العمد، وهذا هو المتصور عند الجمهور، فتحمل العاقلة الدية، والجاني واحد من العاقلة عند الجمهور، وليس واحداً منها عند الحنابلة، كما بان في دية القتل شبه العمد. والدليل له حديث المغيرة: «أن امرأة ضربتها ضَرَّتها بعمود فِسطاط (خيمة)، فقتلتها وهي حبلى، فأتي بها النبي صلّى الله عليه وسلم، فقضى فيها على عصبة القاتلة بالدية في الجنين غرة، فقال عصبتها: أندي مالا طعِم ولا شرب ولا صاح ولا استهل (٥)، مثل ذلك يُطَلّ (٦)؟ فقال: سجع مثل سجع الأعراب» (٧).


(١) الوليدة: الأمة الصغيرة، أقل سنها سبع سنين، ولذا عبر عنها بوليدة دون أمة لئلا يتوهم اشتراط كبرها.
(٢) التي توفيت بعدئذ.
(٣) متفق عليه بين أحمد والشيخين. قال ابن تيمية: وفيه دليل على أن دية شبه العمد تحملها العاقلة (نيل الأوطار: ٦٩/ ٧).
(٤) الشرح الكبير: ٢٦٨/ ٤، بداية المجتهد: ٤٠٨/ ٢، القوانين الفقهية: ص ٣٤٧، ٣٥١.
(٥) استهل المولود: صاح عند الولادة.
(٦) يطل: أي يبطل ويهدر.
(٧) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي، والترمذي ولكنه لم يذكر اعتراض العصبة وجوابه. واستدل بذلك على ذم السجع في الكلام، وكراهته إذا كان ظاهر التكلف. ولا يكره إذا كان عفوياً وهو حق أو في مباح.

<<  <  ج: ص:  >  >>