للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن اختلفوا أخذ بأحسن أقاويلهم وقضى بما رآه صواباً، إلا أن يكون غيره أفقه منه، فيجوز له الأخذ برأيه وترك رأيه الشخصي. وإن اعتمد على قول بعضهم، ثم رأى الصواب في قول الآخر، فله أن يعدل عن الرأي الأول؛ لأن الأمور الاجتهادية يجوز للقاضي أن يأخذ بأحد الآراء فيها قبل صدور الحكم. أما بعد الحكم فليس له أن يبطل الحكم الذي صدر منه؛ لأنه صار بالقضاء كالرأي المتفق عليه، ولكن له أن يعمل في المستقبل بخلاف الرأي السابق (١).

٢ً - التسوية بين الخصمين في المجلس والإقبال: ينبغي أن يعدل القاضي بين الخصمين في الجلوس، والإقبال، فيجلسهما بين يديه، لا عن يمينه ولا عن يساره، وأن يسوي بينهما في النظر والنطق والإشارة والخلوة فلا يسارّ أحدهما أو يخلو به، ولا يشير إليه، ولا يلقنه حجة منعاً للتهمة، ولا يضحك في وجه أحدهما؛ لأنه يجترئ عليه، ولا يمازحهما ولا واحداً منهما؛ لأنه يذهب بمهابة القضاء، ولا يضيف أحدهما (٢)، ولا يرفع صوته على أحدهما، ولا يكلم أحدهما بلغة لا يعرفها الآخر، وإذا تكلم أحدهما أسكت الآخر حتى يسمع كلامه، ويفهم، ثم يستنطق الآخر، حتى يفهم تماماً رأيه (٣).

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من ابتلي بالقضاء بين المسلمين، فليسوِّ بينهم في


(١) البدائع: ١١/ ٧ وما بعدها، الدر المختار: ٣١٦/ ٤، الكتاب مع اللباب: ٨١/ ٤، أصول الفقه للمؤلف: ١١١٥/ ٢، ط دار الفكر.
(٢) روي إسحاق بن راهويه وعبد الرزاق والدارقطني والبيهقي وابن خزيمة في صحيحه عن الحسن عن علي قال: «إن النبي صلّى الله عليه وسلم نهانا أن نضيف الخصم إلا ومعه خصمه» ورواية البيهقي له بإسناد ضعيف منقطع، وله طريق آخر عند الطبراني في الأوسط عن علي، قال: «نهى النبي صلّى الله عليه وسلم أن يضيف أحد الخصمين دون الآخر» وفيه ضعيف (نصب الراية: ٧٣/ ٤، تلخيص الحبير: ١٩٣/ ٤ وما بعدها، مجمع الزوائد: ١٩٧/ ٤).
(٣) البدائع، المرجع السابق: ص ٩، المبسوط: ٦١/ ١٦، فتح القدير: ٤٦٩/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>