للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعرف أو القانون الدولي، وإن كان لا يخضع الممثل السياسي لولاية القضاء الإقليمي خشية التحامل عليه وإهدار حصانته، فإنه أجاز للدولة الموفد إليها تبليغ الأمر إلى الدولة الموفدة لمحاكمته، كما أن لها أن تعتبره شخصاً غير مرغوب فيه، وتطلب استدعاءه، بل لها في الجرائم الخطيرة أن تطرده، ولها أن تقبض عليه إذا كان ذلك ضرورياً للمحافظة على سلامتها، كما لها أن تطلب رفع الحصانة الدبلوسية عنه من دولته لتحاكمه هي بسبب ارتكابه جريمة في أرضها. أما القناصل فيجوز خضوعهم للقضاء الإقليمي. وهكذا يقترب العرف الدولي الحاضر من الحكم المقرر في الشريعة لدى فقهائنا.

وأما الخلاف الفقهي حول تطبيق أحكام الشريعة على رعايا دار الإسلام إذا ارتكبوا جرائم في خارج تلك الدار، فيتمثل في رأيين أيضاً: مذهب الحنفية، ومذهب الجمهور. أما الحنفية: فيرون أن أحكام الشريعة العقابية لا تطبق على الجرائم التي يقترفها المسلم أو الذمي في دار الحرب، لعدم ولاية الإمام في إقامة الحدود وغيرها على جزء من أجزاء الدار أو البلاد غير الإسلامية، ولأن وجوب إقامة الحد مشروط بالقدرة على الإقامة أو التطبيق، ولا قدرة للإمام على من يرتكب جريمة في دار الحرب أثناء ارتكابها، وإذا لم تتوافر القدرة لم تجب العقوبة.

إلا أن أبا يوسف خالف أستاذه أبا حنيفة في أمرين:

الأول ـ أن التعاقد على الربا حرام في جميع البلاد، في دار الإسلام وغيرها؛ لأن الربا حرام في ذاته في أي مكان من العالم.

والثاني ـ أن الأسير المسلم إذا قتله مسلم أو ذمي في دار الحرب، فعليه الدية، لأنه إذا تعذر القصاص لعدم ولاية الإمام المسلم على تلك الدار، فتجب الدية؛ لأن الأسر لا يفقد عصمة المسلم، ولأنه (لا يُطَل دم في الإسلام) أي لا يهدر، فإذا امتنع القصاص، أمكن إيجاب الدية.

<<  <  ج: ص:  >  >>