للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر للحديث في الصحيحين: «ولكن اليمين على المدعى عليه» فحصر اليمين في جانب المدعى عليه.

واستدل الحنفية أيضاً بأن النكول دليل على كون المدعى عليه باذلاً للحق إذا اعتبرنا النكول بذلاً، وهو رأي أبي حنيفة، أو كونه مقراً إقراراً تقديرياً بالحق المدعى به إذا اعتبرنا النكول إقراراً، وهو رأي الصاحبين (١)، ولولا كون المدعى عليه باذلاً أو مقراً، لأقدم على اليمين دفعاً لضرر الدعوى عن نفسه وقياماً بالواجب؛ لأن اليمين واجبة عليه بقوله صلّى الله عليه وسلم: «واليمين على من أنكر» وكلمة (على) للوجوب (٢).

وينبغي للقاضي أن يقول للمدعى عليه: «إني أعرض اليمين عليك ثلاث مرات، فإن حلفت، وإلا قضيت عليك بما ادعاه المدعي» فإن كرر العرض عليه ثلاث مرات قضى عليه بالنكول.


(١) النكول: معناه عند أبي حنيفة البذل أي ترك المنازعة والإعراض عنها وإباحة المال والتبرع به في سبيل قطع الخصومة بدفع ما يدعيه الخصم، أي أن النكول له أثر سلبي عند أبي حنيفة، فلا يفيد الهبة والتمليك، ومعناه عند الصاحبين: الإقرار بالحق، أي أن أثره إيجابي (راجع تكملة فتح القدير: ١٦٥/ ٦ مع شرح العناية بهامشه، الطرق الحكمية لابن قيم الجوزية: ص ١٢٤ وما بعدها) احتج أبو حنيفة الذي جعل النكول كالبذل: بأنا لو اعتبرنا إقراره يكون كاذباً في إنكاره، والكذب حرام، فيفسق بالنكول بعد الإنكار، وهذا باطل، فجعلناه بذلاً وإباحة، صيانة له عما يقدح في عدالته، ويجعله كاذباً.
واحتج الصاحبان اللذان جعلا النكول كالإقرار بأن الناكل كالممتنع من اليمين الكاذبة ظاهراً، فيصير معترفاً بالمدعى به؛ لأنه لما نكل ـ مع إمكان تخلصه باليمين ـ دل نكوله على أنه لو حلف لكان كاذباً، وهو دليل اعترافه. ومن ثمرة الخلاف أن الصبي المأذون بالتجارة هل يحلف أو لا؟ فعند أبي حنيفة: لا يحلف لأنه لو نكل كان باذلاً، وهو ليس من أهل البذل، وعند الصاحبين: يحلف؛ لأن النكول إقرار وهو من أهل الإقرار (الفرائد البهية في القواعد الفقهية للشيخ محمود حمزة: ص ١٠٥).
(٢) تكملة فتح القدير، المرجع نفسه: ص ١٥٥، ١٥٨، المبسوط: ٣٥/ ١٧، البدائع: /٦ ٢٢٥ وما بعدها، ٢٣٠، الدر المختار: ٤٤٢/ ٤، اللباب شرح الكتاب: ٣٠/ ٤، المغني: ٢٣٥/ ٩ وما بعدها، الطرق الحكمية، المرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>