للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الملك وما يقتضيه من حقوق]

حكم الملك أو مقتضاه عند الحنفية: هو أن يثبت لصاحبه ولاية التصرف في الشيء المملوك بمطلق اختياره، دون أن يكون لأحد عليه حق الإجبار على التصرف إلا لضرورة، أو حق المنع من التصرف، وإن تضرر به إلا إذا تعلق به حق الغير، فيمنع عن التصرف مراعاة لحق الغير، ولا يكون لغير المالك شيء من حقوق التصرف في ملك غيره بدون إذنه أو رضاه إلا لضرورة.

وبناء عليه للمالك أن يتصرف في ملكه أي تصرف شاء، سواء أكان تصرفاً يتعدى ضرره إلى غيره، أم لا يتعدى، فله أن يبني في ملكه مرحاضاً أو حماماً أورحى أو تنوراً، وله أن يؤجر بناءه لحداد أو قصار، وله أن يحفر في ملكه بئراً أو بالوعة، وإن كان يتأذى به جاره، وليس لجاره أن يمنعه؛ لأن حق الملكية حق مطلق، ويتقيد هذا الحق عند وجود عارض من تعلق حق الآخرين به، لكن يجب أن يمتنع الإنسان عن كل ما يؤذي جاره ديانة، لقوله صلّى الله عليه وسلم: «المؤمن من أمن جاره بوائقه» (١).

فلو تصرف المالك في ملكه تصرفاً أدى إلى أن يوهن بناء جاره أو سقوط حائط جاره، لا يضمن؛ لأنه لم يتعد على ملك الغير.

العلو والسفل: وعلى هذا لو كان لأحد الجوار سفل، وللآخر علو عليه كطوابق المنازل الحديثة، فأراد صاحب السفل أن يفتح باباً أو نافذة، أو يحفر طاقاً، أو يدق وتداً على الحائط، أو يتصرف فيه تصرفاً لم يكن في القديم، من غير رضا صاحب العلو سواء أضر بالعلو، بأن ترتب عليه وَهْن الحائط أم لم يضرَّ به، فليس له ذلك عند أبي حنيفة؛ لأن حرمة التصرف في ملك الغير وحقوقه لا تتوقف على وقوع الضرر، بل هو حرام، سواء تضرر به أم لا.


(١) رواه الطبراني في الكبير والأوسط عن طلق بن علي بلفظ «ليس بالمؤمن: الذي لا يأمن جاره بوائقه» أي شره، وفيه أيوب بن عتبة ضعفه الجمهور، وهو صدوق كثير الخطأ، واعتبر السيوطي هذا الحديث حسناً (مجمع الزوائد: ١٦٩/ ٨، الجامع الصغير: ١٣٥/ ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>