للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الصاحبان: لصاحب السفل أن يفعل في ملكه ما يشاء إن لم يضر بصاحب العلو؛ لأن صاحب السفل يتصرف في ملك نفسه، فلا يمنع إلا لحق الغير، وحق الغير لا يمنع المالك من التصرف لذاته، وإنما لما يترتب عليه من إيقاع الضرر به، بدليل أن الإنسان لا يمنع من الاستظلال بجدار غيره، ومن الاصطلاء بنار غيره، لعدم تضرر المالك. والرسول صلّى الله عليه وسلم يقول: «لا ضرر ولا ضرار» (١).

وإذا انهدم السفل والعلو: لم يجبر صاحب السفل على البناء؛ لأن الإنسان لا يجبر على عمارة ملك نفسه، ولكن يقال لصاحب العلو: إن شئت فابن السفل من مال نفسك، وضع عليه علوك، وارجع عليه بقيمته مبنياً، ثم امنع صاحب السفل عن الانتفاع بالسفل حتى يرد عليك قيمة البناء؛ لأن البناء، وإن كان تصرفاً في ملك الغير، لكن فيه ضرورة؛ لأنه لا يمكنه الانتفاع بملك نفسه إلا بالتصرف في ملك غيره. وأما رجوعه بقيمة البناء، فلأنه ملكه بإذن الشرع، فله ألا يمكن صاحب السفل من الانتفاع بملكه إلا بعد دفع قيمته.

أما إذا هدم صاحب السفل منزله، فانهدم الطابق العلوي، فيجبر على إعادته؛ لأنه أتلف حق صاحب العلو بنفسه.

ويجري هذا الخلاف في الحائط بين الدارين إذا انهدم، ولهما عليه جذوع، فإنه لا يجبر واحد منها على بنائه، ولكن إذا أبى أحدهما البناء، يقال للآخر: إن شئت فابن من مال نفسك، وضع خشبك عليه، وامنع صاحبك من الوضع والاستناد، حتى يرد عليك نصف قيمة البناء، أو نصف ما أنفقته.

فإن هدمه أحدهما، يجبر على عمارته (٢).


(١) رواه مالك والشافعي مرسلاً عن عمر بن يحيى المازني عن أبيه، وهو عند أحمد وعبد الرزاق وابن ماجه والطبراني عن ابن عباس، ورواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسنداً عن أبي سعيد الخدري وهو حديث حسن (المقاصد الحسنة: ص ٤٦٨، مجمع الزوائد: ١١٠/ ٤، سبل السلام: ٨٤/ ٣، الإلمام: ص ٣٦٣).
(٢) البدائع: ٢٦٣/ ٦ وما بعدها، الدر المختار: ٣٧٢/ ٤ وما بعدها، درر الحكام: ٤١٦/ ٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>